Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 13-14)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن أهل النار إذا ألقوا : أي طرحوا في مكان ضيق من النار ، في حال كونهم مقرنين ، دعوا هنالك : أي في ذلك المكان الضيق ثبوراً ، فيقال لهم : لا تدعوا ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً ، فقوله : مكاناً منصوب على الظرف ، كما قال أبو حيان في البحر المحيط . وما ذكره هنا من أنهم يلقون في مكان ضيق من النار ، جاء مذكوراً أيضاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى : { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } [ الهمزة : 8ـ9 ] وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةُ } [ البلد : 19ـ20 ] ومعنى مؤصدة في الموضعين بهمز ، وبغير همز : مطبقة أبوابها ، مغلقة عليهم كما أوضحناه بشواهد العربية في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى : { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } [ الكهف : 18 ] ومن كان في مكان مطبق مغلق عليه ، فهو في مكان ضيق ، والعياذ بالله ، وقد ذكر أن الواحد منهم يجعل في محله من النار بشدة كما يدق الوتد في الحائط ، وعن ابن مسعود : " أن جهنم تضيق على الكافر كتضييق الزج على الرمح " . والزج بالضم : الحديدة التي في أسفل الرمح . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { مُّقَرَّنِين } : أي في الأصفاد بدليل قوله تعالى في سورة إبراهيم : { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } [ إبراهيم : 49 ] والأصفاد القيود . والأظهر أن معنى مقرنين : أن الكفار يقرن بعضهم إلى بعض في الأصفاد والسلاسل ، وقال بعض أهل العلم : كل كافر يقرن هو وشيطانه ، وقد قال تعالى { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } [ الزخرف : 38 ] . وهذا أظهر من قول من قال : مقرنين مكتفين ، ومن قول من قال : مقرنين : أي قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال ، والثبور : الهلاك والويل والخسران . وقال ابن كثير : والأظهر أن الثبور يجمع الخسار والهلاك والويل والدمار . كما قال موسى لفرعون : { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } [ الإسراء : 102 ] أي هالكاً ، قال عبد الله بن الزبعرى السهمي : @ إذا جارى الشيطان في سنن الغســ ــى ومن مال ميله مثبور . اهـ . @@ وقال الجوهري في صحاحه : والثبور الهلاك والخسران أيضاً ، قال الكميت : @ ورأت قضاعة في الأيا من رأي مثبور وثابر @@ أي مخسور وخاسر يعني في انتسابها لليمن . اهـ . وقوله تعالى : { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } معنى دعائهم الثبور هو قولهم : واثبوراه ، يعنون : يا ويل ، ويا هلاك ، تعال ، فهذا حينك وزمانك . وقال الزمخشري : ومعنى وادعوا ثبوراً كثيراً أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحداً ، إنما هو ثبور كثير ، إما لأن العذاب أنواع وألوان ، كل نوع منها ثبور ، لشدته وفظاعته ، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها ، فلا غاية لهلاكهم . اهـ . تنبيه اعلم أنه تعالى في هذه الآية الكريمة قال : مكاناً ضيقاً ، وكذلك في الأنعام في قوله تعالى : { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } [ الأنعام : 125 ] وقال في هود : { وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } [ هود : 12 ] فما وجه التعبير في سورة هود ، بقوله : ضائق على وزن فاعل ، وفي الفرقان والأنعام بقوله : ضيقاً على وزن فيعل ، مع أنه في المواضع الثلاثة هو الوصف من ضاق يضيق ، فهو ضيق . والجواب عن هذا هو أنه تقرر في فن الصرف أن جميع أوزان الصفة المشبهة باسم الفاعل إن قصد بها الحدوث والتجدد جاءت على وزن فاعل مطلقاً ، كما أشار له ابن مالك في لامتيه بقوله : @ وفاعل صالح للكل إن قصد الـ حدوث نحو غداً ذا فارح جذلا @@ وإن لم يقصد به الحدوث ، والتجدد بقي على أصله . وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله تعالى في سورة هود : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } [ هود : 12 ] أريد به أنه يحدث له ضيق الصدر ، ويتجدد له بسبب عنادهم وتعنتهم في قولهم : { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ } [ هود : 12 ] ولما كان كذلك ، قيل فيه : ضائق بصيغة اسم الفاعل ، أما قوله : ضيقاً في الفرقان والأنعام فلم يرد به حدوث ، ولذلك بقي على أصله . ومن أمثلة إتيان الفيعل على فاعل إن قصد به الحدوث قوله تعالى : { وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } [ هود : 12 ] وقول قيس بن الخطيم الأنصاري : @ أبلغ خداشا أنني ميت كل امرئ ذي حسب مائت @@ فلما أراد حدوث الموت قال : مائت بوزن فاعل ، وأصله ميت على وزن فيعل . ومن أمثلته في فعل بفتح فكسر قول أبي عمرو أشجع بن عمرو السلمي يرثي قتيبه بن مسلم : @ فما أنا من رزء وإن جل جازع ولا بسرور بعد موتك فارح @@ فلما نفى أن يحدث له في المستقبل فرح ولا جزع قال جازع وفارح ، والأصل جزع وفرح . ومثاله في فعيل قول لبيد : @ حسبت التقى والجود خير تجارة رباحاً إذا ما المرء أصبح ثاقلاً @@ فلما أراد حدوث الثقل قال : ثاقلاً والأصل ثقيل ، وقول السمهري العكلي : @ بمنزلة أما اللئيم فسامن بها وكرام الناس باد شحوبها @@ فلما أراد حدوث السمن قال : فسامن والأصل سمين . واعلم أن قراءة ابن كثير ضيقا بسكون الياء في الموضعين راجعة في المعنى إلى قراءة الجمهور بتشديد الياء لأن إسكان الياء تخفيف كهين ولين ، في هين ولين . والعلم عند الله تعالى .