Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 20-20)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، أنه جعل بعض الناس فتنة لبعض . وهذا المعنى الذي دلت عليه الآية ذكره في قوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } [ الأنعام : 53 ] الآية . وقال القرطبي في تفسير قوله : { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } ومعنى هذا : أن كل واحد مختبر بصاحبه ، فالغني ممتحن بالفقير عليه أن يواسيه ، ولا يسخر منه ، والفقير ممتحن بالغني عليه أن لا يحسده ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه ، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق ، كما قال الضحاك في معنى : أتصبرون : أي على الحق ، وأصحاب البلايا يقولون : لِمَ لَمْ نعاف ، والأعمى يقول لِمَ لَمْ أجعل كالبصير ؟ وهكذا صاحب كل آفة ، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس من الكفار في عصره وكذلك العلماء ، وحكام العدل ألا ترى إلى قولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] فالفتنة أن يحسد المبتلي المعافى ، ويحقر المعافى المبتلي ، والصبر أن يحبس كلاهما نفسه هذا عن البطر ، وذلك عن الضجر . انتهى محل الغرض من كلام القرطبي . وإذا علمت معنى كون بعضهم فتنة لبعض . فاعلم أن قوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } [ الأنعام : 53 ] الآية . فيه فتنة أغنياء بفقراء المسلمين ، حيث احتقروهم وازدروهم ، وأنكروا أن يكون الله من عليهم دونهم لأنهم في زعمهم لفقرهم ، ورثاثة حالهم ، لا يمكن أن يرحمهم الله ويعطيهم من فضله الواسع كما قال تعالى عنهم إنهم قالوا فيهم : { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] وقال : { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ ص : 8 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وسيوبخهم الله يوم القيامة على احتقارهم لهم في الدنيا كما قال تعالى : { أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } [ الأعراف : 49 ] وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } [ المطففين : 29ـ30 ] إلى قوله تعالى : { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المطففين : 34ـ36 ] وقوله تعالى : { وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ البقرة : 212 ] وقوله تعالى : { أتصبرون } ، أي على الحق أم لا تصبرون . والعلم عند الله تعالى .