Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 21-21)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن الذين لا يرجون لقاء الله قالوا : لولا أنزل علينا الملائكة ، أو نرى ربنا ، ولولا في هذه الآية للتخضيض . والمعنى أنهم طلبوا بحث وشدة أن تنزل عليهم الملائكة أو يرون ربهم ، وهذا التعنت الذي ذكره الله عنهم هنا من طلبهم إنزال الملائكة عليهم ، أو رؤيتهم ربهم ذكره في غير هذا الموضع كقوله تعالى : { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } [ الإسراء : 92 ] وقولهم : { لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } قيل : فتوحي إلينا كما أوحت إليك ، وهذا القول يدل له قوله تعالى : { قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 124 ] الآية وقيل : لولا أنزل علينا الملائكة فتراهم عياناً ، وهذا يدل له قوله تعالى : { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } [ الإسراء : 92 ] أي معاينة على القول بذلك ، وقد قدمنا الأقوال في ذلك في سورة بني إسرائيل . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : لا يرجون . قال بعض العلماء : لا يرجون أي لا يخافون لقاءنا لعدم . إيمانهم بالبعث . والرجاء يطلق على الخوف كما يطلق على الطمع . قال بعض العلماء : ومنه قوله تعالى : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح : 13 ] قال أي لا تخافون لله عظمة ، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي : @ إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوب عواسل @@ فقوله لم يرج لسعها : أي لم يخف لسعها ، وقال بعض أهل العلم : إطلاق الرجاء على الخوف لغة تهامة ، وقال بعض العلماء : لا يرجون لقاءنا لا يأملون ، وعزاه القرطبي لابن شجرة وقال : ومنه قول الشاعر : @ أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحساب @@ أي أتأمل أمة الخ . والذي لا يؤمن بالبعث لا يخاف لقاء الله ، لأنه لا يصدق بالعذاب ، ولا يأمل الخير من تلقائه ، لأنه لا يؤمن بالثواب . وقوله جل وعلا { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } أي أضمروا التكبر عن الحق في قلوبهم ، واعتقدوه عناداً وكفراً ، ويوضح هذا المعنى قوله تعالى : { إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ } [ غافر : 56 ] وقوله تعالى : { وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } أي تجاوزوا الحد في الظلم والطغيان يقال : عتا علينا فلان : أي تجاوز الحد في ظلمنا ، ووصفه تعالى عتوهم المذكور بالكبر ، يدل على أنه بالغ في إفراطه ، وأنهم بلغوا غاية الاستكبار ، وأقصى العتو ، وهذه الآية الكريمة تدل على أن تكذيب الرسل بعد دلالة المعجزات ، ووضوح الحق وعنادهم والتعنت عليهم بطلب إنزال الملائكة ، أو رؤية الله استكبار عن الحق عظيم وعتو كبير يستحق صاحبه النكال ، والتقريع ، ولذا شدد الله النكير على من تعنت ذلك التعنت واستكبر عن قبول الحق ، كما في قوله تعالى : { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } [ البقرة : 108 ] وقوله تعالى : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ } [ النساء : 153 ] الآية وقوله تعالى : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } [ البقرة : 55 ] واستدلال المعتزلة بهذه الآية ، وأمثالها على أن الرؤية الله مستحيلة استدلال باطل ومذهبهم والعياذ بالله من أكبر الضلال ، وأعظم الباطل ، وقول الزمخشري في كلامه على هذه الآية : إن الله لا يرى قول باطل ، وكلام فاسد . والحق الذي لا شك فيه : أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم يوم القيامة كما تواترت به الأحاديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، ودلت عليه الآيات القرآنية منطوقاً ومفهوماً . كما أوضحناه في غير هذا الموضع . وقد قدمنا في هذه السورة وفي سورة بني إسرائيل الآيات الدالة على أن الله لو فعل لهم كل ما اقترحوا لما آمنوا ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .