Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 43-43)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : أرأيت من اتخذ إلهه هواه : أي مهما استحسن من شيء ورآه حسناً في هوى نفسه كان دينه ، ومذهبه إلى أن قال : قال ابن عباس : " كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زماناً ، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول " . اهـ منه . وذكر صاحب الدر المنثور : أن ابن أبي حاتم وابن مردويه أخرجا عن ابن عباس " أن عبادة الكافر للحجر الثاني مكان الأول : هي سبب نزول هذه الآية " ، ثم قال صاحب الدر المثنور : وأخرج ابن مردويه عن أبي رجاء العطاردي ، قال : كانوا في الجاهلية يأكلون الدم بالعلهز ويعبدون الحجر ، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه ، رموا به وعبدوا الآخر ، فإذا فقدوا الآخر أمروا منادياً فنادى : أيها الناس إن إلهكم قد ضل فالتمسوه ، فأنزل الله هذه الآية : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } ، وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } قال : " ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان " . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } . قال : لا يهوى شيئاً إلا تبعه . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } قال : كل ما هوى شيئاً ركبه ، وكل ما اشتهى أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ، ولا تقوى . وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه قيل له أفيّ أهل القبلة شرك ؟ قال . نعم المنافق مشرك ، إن المشرك يسجد للشمس والقمر من دون الله ، وإن المنافق عبد هواه ثم تلا هذه الآية الكريمة : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } . وأخرج الطبرانين عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع " انتهى محل الغرض من كلام صاحب الدر المنثور . وإيضاح أقوال العلماء المذكورة في هذه الآية : أن الواجب الذي يلزم العمل به ، هو أن يكون جميع أفعال المكلف مطابقة لما أمره به معبوده جل وعلا ، فإذا كانت جميع أفعاله تابعة لما يهواه ، فقد صرف جميع ما يستحقه عليه خالقه من العبادة والطاعة إلى هواه ، وإذن فكونه اتخذ إلهه هواه في غاية الوضوح . وإذا علمت هذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، فاعلم أن الله جل وعلا بينه في غير هذا الموضع في قوله : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 23 ] الآية ، وقوله تعالى : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءَ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ فاطر : 8 ] الآية . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } : استفهام إنكار فيه معنى النفي . والمعنى : أن من أضله الله فاتخذ الهه هواه ، لا تكون أنت عليه وكيلاً أي حفيظاً تهديه ، وتصرف عنه الضلال الذي قدره الله عليه ، لأن الهدى بيد الله وحده لا بيدك ، والذي عليك إنما هو البلاغ ، وقد بلغت . وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] الآية ، وقوله تعالى : { إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } [ النحل : 37 ] الآية . وقوله تعالى : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ } [ الزمر : 19 ] ، وقوله تعالى : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ يونس : 99ـ100 ] الآية ، وقوله في آية فاطر المذكورة آنفاً : { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] الآية ، وقوله تعالى تعالى في آية الجاثية المذكورة آنفاً أيضاً { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 23 ] الآية ، والآيات بمثل ذلك كثيرة ، والعلم عند الله تعالى .