Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 53-53)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن لفظة : مرج تطلق في اللغة إطلاقين . الأول : مرج بمعنى أرسل وخلى . من قولهم : مرج دابته إذا أرسلها إلى المرج ، وهو الموضع الذي ترعى فيه الدواب ، كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه : @ وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاء @@ وعلى هذا فالمعنى : أرسل البحرين وخلاهما لا يختلط أحدهما بالآخر . والإطلاق الثاني مرج بمعنى : خلط ، ومنه قوله تعالى : { فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ ق : 5 ] أي مختلط ، فعلى القول الأول : فالمراد بالبحرين الماء العذب في جميع الدنيا ، والماء الملح في جميعها . وقوله : { هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ } يعني به ماء الآبار ، والأنهار والعيون في أقطار الدنيا . وقوله : { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي البحر الملح ، كالبحر المحيط ، وغيره من البحار التي هي ملح أجاج ، وعلى هذا التفسير فلا إشكال . وأما على القول الثاني بأن مرج بمعنى خلط ، فالمعنى : أنه يوجد في بعض المواضع اختلاط الماء الملح والماء العذب في مجرى واحد ، ولا يختلط أحدهما بالآخر ، بل يكون بينهما حاجز من قدرة الله تعالى ، وهذا محقق الوجود في بعض البلاد ، ومن المواضع التي هو واقع فيها المحل الذي يختلط فيه نهر السنغال بالمحيط الأطلسي بجنب مدينة سانلويس ، وقد زرت مدينة سانلويس عام ست وستين وثلاثمائة وألف هجرية ، واغتسلت مرة في نهر السنغال ، ومرة في المحيط ، ولم آت محل اختلاطهما ، ولكن أخبرني بعض المرافقين الثقاة أنه جاء إلى محل اختلاطهما ، وأنه جالس يغرف بإحدى يديه عذباً فراتاً ، وبالأخرى ملحاً أجاجاً ، والجميع في مجرى واحد ، لا يختلط أحدهما بالآخر . فسبحانه جل وعلا ما أعظمه ، وما أكمل قدرته . وهذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة فاطر : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } [ فاطر : 12 ] وقوله تعالى : { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } [ الرحمن : 19ـ20 ] أي لا يبغي أحدهما على الآخر فيمتزج به ، وهذا البرزخ الفاصل بين البحرين المذكور في سورة الفرقان ، وسورة الرحمن قد بين الله تعالى في سورة النمل أنه حاجز حجز به بينهما ، وذلك في قوله جل وعلا : { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ النمل : 16 ] وهذا الحاجز هو اليبس من الأرض ، الفاصل بين الماء العذب ، والماء الملح على التفسير الأول . وأما على التفسير الثاني فهو حاجز من قدرة الله غير مرئي للبشر ، وأكد شدة حجزه بينهما بقوله هنا : { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } ، والظاهر أن قوله هنا : حجراً أي منعاً ، وحراماً قدرياً وأن محجوراً توكيد له أي منعاً شديداً للاختلاط بينهما ، وقوله : { هَـٰذَا عَذْبٌ } صفة مشبهة من قولهم : عذب الماء بالضم فهو عذب . وقوله فرات صفة مشبهة أيضاً ، من فرت الماء بالضم ، فهو فرات ، إذا كان شديد العذوبة . وقوله : وهذا ملح ، صفة مشبهة أيضاً من قولهم : ملح الماء بالضم والفتح فهو ملح . قال الجوهري في صحاحه : ولا يقال مالح إلا في لغة ردية ا هـ . وقد أجاز ذلك بعضهم واستدل له بقول القائل : @ ولو تفلت في البحر والبحر مالح لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا @@ وقوله : أجاج : صفة مشبهة أيضاً من قولهم : أج الماء يؤج أجوجاً فهو أجاج : أي ملح مر ، فالوصف بكونه أجاجاً يدل على زيادة المرارة على كونه ملحاً ، والعلم عند الله تعالى .