Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 20-20)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي قال موسى مجيباً لفرعون : فعلتها إذاً : أي إذ فعلتها وأنا في ذلك الحين من الضالين : أي قبل أن يوحي الله إلي ، ويبعثني رسولاً ، وهذا هو التحقيق إن شاء الله في معنى الآية . وقول من قال من أهل العلم : وأنا من الضالين ، أي من الجاهلين ، راجع إلى ما ذكرنا ، لأنه بالنسبة إلى ما علمه الله من الوحي يعتبر قبله جاهلاً : أي غير عالم بما أوحى الله إليه . وقد بينا مراراً في هذا الكتاب المبارك أن لفظ الضلال يطلق في القرآن وفي اللغة العربية ثلاثة إطلاقات . الإطلاق الأول : يطلق الضلال مراداً به الذهاب عن حقيقة الشيء . فتقول العرب في كل من ذهب عن علم حقيقة شيء ضل عنه ، وهذا الضلال ذهاب عن علم شيء ما ، وليس من الضلال في الدين . ومن هذا المعنى قوله هنا : وأنا من الضالين : أي من الذاهبين عن علم حقيقة العلوم ، والأسرار التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي ، لأني في ذلك الوقت لم يوح إلي ومنه على التحقيق : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } [ الضحى : 7 ] أي ذاهباً عما علمك من العلوم التي لا تدرك إلا بالوحي . ومن هذا المعنى قوله تعالى : { قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } [ طه : 52 ] فقوله : { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي } أي لا يذهب عنه علم شيء كائناً ما كان ، وقوله تعالى : { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ } [ البقرة : 282 ] فقوله : أن تضل إحداهما : أي تذهب عن علم حقيقة المشهود به بدليل قوله بعده : فتذكر إحداهما الأخرى ، وقوله تعالى عن أولاد يعقوب : { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ يوسف : 8 ] وقوله : { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [ يوسف : 95 ] على التحقيق في ذلك كله . ومن هذا المعنى قول الشاعر : @ وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلاً أراها في الضلال تهيم @@ والإطلاق الثاني وهو المشهور في اللغة ، وفي القرآن هو إطلاق الضلال على الذهاب عن طريق الإيمان إلى الكفر ، وعن طريق الحق إلى الباطل ، وعن طريق الجنة إلى النار ومنه قوله تعالى : { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } [ الفاتحة : 7 ] . والإطلاق الثالث : هو إطلاق الضلال على الغيبوبة والاضمحلال ، تقول العرب : ضل الشيء إذا غاب واضمحل ، ومنه قولهم : ضل السمن في الطعام ، إذا غاب فيه واضمحل ، ولأجل هذا سمت العرب الدفن في القبر إضلالاً ، لأن المدفون تأكله الأرض فيغيب فيها ويضمحل . ومن هذا المعنى قوله تعالى : { وَقَالُوۤاْ أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ } [ السجدة : 10 ] الآية يعنون إذا دفنوا وأكلتهم الأرض ، فضلوا فيها : أي غابوا فيها واضمحلوا . ومن إطلاقهم الإضلال على الدفن ، قول نابغة ذبيان يرثي النعمان بن الحرث بن أبي شمر الغساني : @ فإن تحيى لا أملك حياتي وإن تمت فما في حياة بعد موتك طائل فآب مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل @@ وقول المخبل السعدي يرثي قيس بن عاصم : @ أضلت بنو قيس بن سعد عميدها وفارسها في الدهر قيس بن عاصم @@ فقول الذبياني : فآب مضلوه : يعني فرجع دافنوه ، وقول السعدي : أضلت أي دفنت ، ومن إطلاق الضلال أيضاً على الغيبة والاضمحلال قول الأخطل : @ كنت القذى في موج أكدر مزيد قذف الآتي به فضل ضلالا @@ وقول الآخر : @ ألم تسأل فتخبرك الديار عن الحي المضلل أين ساروا @@ وزعم بعض أهل العلم : أن للضلال إطلاقاً رابعاً : قال : ويطلق أيضاً على المحبة قال : ومنه قوله : { قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [ يوسف : 95 ] قال أي في حبك القديم ليوسف ، قال ومنه قول الشاعر : @ هذا الضلال أشاب مني المفرقا والعارضين ولم أكن متحققا عجباً لعزة في اختيار قطيعتي بعد الضلال فحبلها قد أخلقا @@ وزعم أيضاً أن منه قوله { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } [ الضحى : 7 ] قال أي محباً للهداية فهداك ، ولا يخفى سقوط هذا القول . والعلم عند الله تعالى .