Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 224-224)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الشعراء : جمع شاعر كجاهل وجهلاء ، وعالم وعلماء ، والغاوون : جمع غاو وهو الضال ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } يدل على أن اتباع الشعراء من أتباع الشيطان بدليل قوله تعالى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [ الحجر : 42 ] وقرأ هذا الحرف نافع وحده : يتبعهم بسكون التاء المثناة ، وفتح الباء الموحدة ، وقرأه الباقون يتبعهم بتشديد المثناة ، وكسر الموحدة ومعناهما واحد . وما ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة في قوله : { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } يدل على تكذيب الكفار في دعواهم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر ، لأن الذين يتبعهم الغاوون لا يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم . ويوضح هذا المعنى ما جاء من الآيات مبيناً أنهم ادعوا عليه صلى الله عليه وسلم أنه شاعر وتكذيب الله لهم في ذلك ، أما دعواهم أنه صلى الله عليه وسلم شاعر ، فقد ذكره تعالى في قوله عنهم : { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } [ الأنبياء : 5 ] الآية ، وقوله تعالى : { وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوۤ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } [ الصافات : 36 ] وقوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [ الطور : 30 ] وأما تكذيب الله لهم في ذلك ، فقد ذكره في قوله تعالى : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } [ الحاقة : 41 ] الآية ، وقوله تعالى : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } [ يس : 69 ] ، وقوله تعالى : { وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوۤ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 36ـ37 ] ، لأن قوله تعالى : { بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقّ } الآية . تكذيب لهم في قولهم إنه : { لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } . مسألتان تتعلقان بهذه الآية الكريمة المسألة الأولى : اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال : " لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً يريه خير له من أن يمتلئ شعراً " رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقوله في الحديث ، يريه بفتح المثناة التحتية وكسر الراء بعدها ياء ، مضارع ورى القيح جوفه ، يريه ، وريا إذا أكله وأفسده ، والأظهر أن أصل وراه أصاب رئته بالإفساد . واعلم أن التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام حسنه حسن ، وقبيحه قبيح . ومن الأدلة القرآنية على ذلك أنه تعالى لما ذم الشعراء بقوله : { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } [ الشعراء : 224ـ226 ] استثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } [ الشعراء : 227 ] الآية . وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشعر ، محمول على من أقبل على الشعر ، واشتغل به عن الذكر ، وتلاوة القرآن ، وطاعة الله تعالى ، وعلى الشعر القبيح المتضمن للكذب ، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيات ونحو ذلك . المسألة الثانية : اعلم أن العلماء اختلفوا في الشاعر إذا اعترف في شعره بما يستوجب حداً ، هل يقام عليه الحد ؟ على قولين : أحدهما : أنه يقام عليه لأنه أقر به والإقرار تثبت به الحدود . والثاني : أنه لا يحد بإقراره في الشعر لأن كذب الشاعر في شعره أمر معروف معتاد واقع لا نزاع فيه . قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : أظهر القولين عندي : أن الشاعر إذا أقر في شعره بما يستوجب الحد ، لا يقام عليه الحد ، لأن الله جل وعلا صرح هنا بكذبهم في شعرهم في قوله : { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } [ الشعراء : 226 ] فهذه الآية الكريمة تدرأ عنهم الحد ، ولكن الأظهر أنه إن أقر بذلك استوجب بإقراره به الملام والتأديب وإن كان لا يحد به ، كما ذكره جماعة من أهل الأخبار في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهورة مع النعمان بن عدي بن نضلة . قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة وقد ذكر محمد بن إسحاق ، ومحمد بن سعد في الطبقات ، والزبير بن بكار في كتاب الفكاهة : أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان من أرض البصرة ، وكان يقول الشعر فقال : @ ألا هل أتى الحسناء أن حليلها بميسان يسقى في زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذو على كل منسم فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم @ لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم @@ @@ فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قا ل : إي والله إنه ليسوءني ذلك ، ومن لقيه فليخبره أني قد عزلته ، وكتب إليه عمر : بسم الله الرحمن الرحيم { حـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ غافر : 1ـ3 ] أما بعد : فقد بلغني قولك : لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم وأيم الله إنه ليسوءني ، وقد عزلتك ، فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر ، فقال : والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط ، وما ذلك الشعر إلا شيء طفح على لساني ، فقال عمر : أظن ذلك ، ولكن والله لا تعمل لي عملاً أبداً ، وقد قلت ما قلت فلم يذكر أنه حده على الشراب ، وقد ضمنه شعره لأنهم يقولون ما لا يفعلون ، ولكنه ذمه عمر ولامه على ذلك وعزله به . انتهى محل الغرض ، من كلام ابن كثير وهذه القصة يستأنس بها لما ذكرنا . وقد ذكر غير واحد من المؤرخين أن سليمان بن عبد الملك لما سمع قول الفرزدق : @ فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام @@ قال له : قد وجب عليك الحد ، فقال الفرزدق : يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله : { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } [ الشعراء : 226 ] فلم يحده مع إقراره بموجب الحد .