Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 66-66)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أظهر أقوال أهل العلم عندي في هذه الآية الكريمة أن المعنى : بل ادراك علمهم : أي تكامل علمهم في الآخرة ، حين يعاينونها أي يعلمون في الآخرة علماً كاملاً ، ما كانوا يجهلونه في الدنيا ، وقوله : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } أي في دار الدنيا ، فهذا الذي كانوا يشكون فيه في دار الدنيا ، ويعمون عنه مما جاءتهم به الرسل ، يعلمونه في الآخرة علماً كاملاً لا يخالجه شك ، عند معاينتهم لما كانوا ينكرونه من البعث ، والجزاء . وإنما اخترنا هذا القول دون غيره من أقوال المفسرين في الآية لأن القرآن دل عليه دلالة واضحة في آيات متعددة كقوله تعالى : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ مريم : 38 ] فقوله : أسمع بهم ، وأبصر يوم يأتوننا بمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم للحق الذي كانوا ينكرونه يوم يأتوننا : أي يوم القيامة ، وهذا يوضح معنى قوله : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } أي تكامل علمهم فيها لمبالغتهم في سمع الحق وإبصاره في ذلك الوقت . وقوله : { لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ مريم : 38 ] يوضح معنى قوله : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } لأن ضلالهم المبين اليوم : أي في دار الدنيا ، هو شكهم في الآخرة ، وعماهم عنها . وكقوله تعالى : { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ ق : 22 ] أي علمك اليوم بما كنت تنكره في الدنيا مما جاءتك به الرسل حديد : أي قوي كامل . وقد بينا في كتابنا [ دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ] في سورة الشورى ، في الجواب عما يتوهم من التعارض بين قوله تعالى : { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } [ الشورى : 45 ] ، وقوله تعالى : { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ ق : 22 ] أن المراد بحدة البصر في ذلك اليوم : كمال العلم وقوة المعرفة . وقوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] فقوله : إنا موقنون : أي يوم القيامة ، يوضح معنى قوله هنا : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } وكقوله تعالى : { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَن لَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } [ الكهف : 48 ] فعرضهم على ربهم صفاً يتدارك به علمهم ، لما كانوا ينكرونه . وقوله : { بَلْ زَعَمْتُمْ أَن لَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } [ الكهف : 48 ] صريح في أنهم في الدنيا كانوا في شك وعمى عن البعث والجزاء ، كما ترى إلى غير ذلك من الآيات . واعلم أن قوله : بل ادارك فيه اثنتا عشرة قراءة اثنتان منها فقط سبعيتان ، فقد قرأه عامة السبعة ، غير ابن كثير وأبي عمرو : بل ادارك بكسر اللام من بل وتشديد الدال بعدها ألف والألف التي قبل الدال همزة وصل ، وأصله تدارك بوزن : تفاعل : وقد قدمنا وجه الإدغام ، واستجلاب همزة الوصل في تفاعل وتفعل وأمثلة ذلك في القرآن ، وبعض شواهده العربية في سورة طه في الكلام على قوله تعالى : { فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [ الأعراف : 117 ] وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو : بل أدرك بسكون اللام من بل ، وهمزة قطع مفتوحة ، مع سكون الدال على وزن : أفعل . والمعنى على قراءة الجمهور : بل ادارك علمهم : أي تدارك بمعنى : تكامل . كقوله : { حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً } [ الأعراف : 38 ] وعلى قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو : بل أدرك . قال البغوي : أي بلغ ولحق . كما يقال أدركه علمي إذا لحقه وبلغه ، والإضراب في قوله تعالى : { بَلِ ٱدَّارَك } { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ } { بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } إضراب انتقالي ، والظاهر أن من في قوله تعالى : { بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } بمعنى عن ، وعمون جمع عم ، وهو الوصف من عمى يعمى فهو أعمى وعم ، ومنه قوله تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ } [ الأعراف : 64 ] وقول زهير في معلقته :