Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 88-88)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ، ويكون في الآية قرينة تدل على بطلان ذلك القول ، وذكرنا في ترجمته أيضاً أن من أنواع البيان التي تضمنها الاستدلال على المعنى ، بكونه هو الغالب في القرآن ، لأن غلبته فيه ، تدل على عدم خروجه من معنى الآية ، ومثلنا لجميع ذلك أمثلة متعددة في هذا الكتاب المبارك ، والأمران المذكوران من أنواع البيان قد اشتملت عليهما معاً آية النمل هذه . وإيضاح ذلك : أن بعض الناس قد زعم أن قوله تعالى : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [ النمل : 88 ] يدل على أن الجبال الآن في دار الدنيا يحسبها رائيها جامدة : أي واقفة ساكنة غير متحركة ، وهي تمر مر السحاب ، ونحوه قول النابغة يصف جيشاً : @ بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج @@ والنوعان المذكوران من أنواع البيان يبينان عدم صحة هذا القول . أما الأول منهما : وهو وجود القرينة الدالة على عدم صحته ، فهو أن قوله تعالى : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ } معطوف على قوله : ففزع ، وذلك المعطوف عليه مرتب بالفاء على قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } [ النمل : 87 ] الآية . أي ويوم ينفخ في الصور ، فيفزع من في السماوات ، وترى الجبال ، فدلت هذه القرينة القرنية الواضحة على أن مر الجبال مر السحاب كائن يوم ينفخ في الصور لا الآن . وأما الثاني : وهو كون هذا المعنى هو الغالب في القرآن فواضح ، لأن جميع الآيات التي فيها حركه الجبال كلها في يوم القيامة ، كقوله تعالى : { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } [ الطور : 9ـ10 ] وقوله تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً } [ الكهف : 47 ] وقوله تعالى : { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } [ النبأ : 20 ] وقوله تعالى : { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } [ التكوير : 3 ] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [ النمل : 88 ] جاء نحوه في آيات كثيرة كقوله تعالى : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المومنون : 14 ] وقوله تعالى : { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتِ } [ الملك : 3 ] وتسيير الجبال وإيجادها ونصبها قبل تسييرها كل ذلك صنع متقن . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } . قد قدمنا الآيات التي بمعناه في أول سورة هود في الكلام على قوله تعالى : { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } [ هود : 5 ] إلى قوله : { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ هود : 5 ] .