Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 89-89)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } . اعلم أن الحسنة في هذه الآية الكريمة تشمل نوعين من الحسنات . الأول حسنة : هي فعل خير من أفعال العبد ، كالإنفاق في سبيل الله ، وبذل النفس والمال في إعلاء كلمة الله ، ونحوه ذلك ومعنى قوله تعالى : { فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } بالنسبة إلى هذا النوع من الحسنات ، أن الثواب مضاعف ، فهو خير من نفس العمل ، لأن من أنفق درهماً واحداً في سبيل الله فأعطاه الله ثواب سبعمائة درهم فله عند الله ثواب هو سبعمائة درهم مثلاً ، خير من الحسنة التي قدمها التي هي إنفاق درهم واحد ، وهذا لا إشكال فيه كما ترى . وهذا المعنى توضحه آيات من كتاب الله كقوله تعالى : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [ الأنعام : 160 ] ومعلوم أن عشر أمثال الحسنة خير منها ، هي وحدها وكقوله تعالى : { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } [ النساء : 40 ] وقوله تعالى : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } [ البقرة : 261 ] الآية . وأما النوع الثاني من الحسنة : فكقول من قال من أهل العلم : إن المراد بالحسنة في هذه الآية : لا إله إلا الله ، ولا يوجد شيء خير من لا إله إلا الله . بل هي أساس الخير كله ، والذي يظهر على هذا المعنى أن لفظة خير ليست صيغة تفضيل . وأن المعنى فله خير عظيم عند الله حاصل له منها : أي من قبلها ومن أجلها وعليه فلفظة من في الآية كقوله تعالى : { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } [ نوح : 25 ] أي من أجل خطيآتهم أغرقوا ، فأدخلوا ناراً . وأما على الأول فخير صيغة تفضيل ، ويحتمل عندي . أن لفظة خير على الوجه الثاني صيغة تفضيل أيضاً ، ولا يراد بها تفضيل شيء على لا إله إلا الله ، بل المراد أن كلمة لا إله إلا الله تعبد بها العبد في دار الدنيا ، وتعبده بها فعله المحض ، وقد أثابه الله في الآخرة على تعبده بها ، وإثابة فعله جل وعلا ، ولا شك أن فعل الله خير من فعل عبده ، والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } . دلت على معناه آيات من كتاب الله كقوله تعالى في أمنهم من الفزع { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } [ الأنبياء : 103 ] الآية . وقوله تعالى في أمنهم { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } [ سبأ : 37 ] وقوله تعالى : { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ فصلت : 40 ] الآية . وقوله تعالى : { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ } قرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي بتنوين فزع ، وفتح ميم يومئذ ، وقرأه الباقون بغير تنوين ، بل بالإضافة إلى يومئذ ، إلا أن نافعاً قرأ بفتح ميم يومئذ مع إضافة فزع إليه ، وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو بإضافة فزع إلى يومئذ مع كسر ميم يومئذ ، وفتح الميم وكسرها من نحو يومئذ قد أوضحناه بلغاته وشواهده العربية مع بيان المختار من اللغات في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى : { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ } [ مريم : 15 ] الآية .