Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 3-3)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } الآية . لا يخفى ما يسبق إلى الذهن في هذه الآية الكريمة من عدم ظهور وجه الربط بين هذا الشرط ، وهذا الجزاء ، وعليه ، ففي الآية نوع إجمال ، والمعنى كما قالت أم المؤمنين ، عائشة رضي الله عنها أنه كان الرجل تكون عنده اليتيمة في حجره . فإن كانت جميلة ، تزوجها من غير أن يقسط في صداقها ، وإن كانت دميمة رغب عن نكاحها وعضلها أن تنكح غيره لئلا يشاركه في مالها . فنهُوا أن ينكحوهنَّ إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنَّ . أي كما أنه يرغب عن نكاحها إن كانت قليلة المال ، والجمال ، فلا يحل له أن يتزوجها إن كانت ذات مال وجمال إلا بالإقساط إليها ، والقيام بحقوقها كاملة غير منقوصة ، وهذا المعنى الذي ذهبت إليه أم المؤمنين ، عائشة ، رضي الله عنها ، يبينه ويشهد له قوله تعالى { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ فِي يَتَامَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } النساء 127 وقالت ، رضي الله عنها إن المراد بما يُتلَى عليكم في الكتاب هو قوله تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } النساء 3 الآية ، فتبين أنها يتامى النساء بدليل تصريحه بذلك في قوله { فِي يَتَامَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } الآية . فظهر من هذا أن المعنى وإن خفتم ألا تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهن ، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن ، وجواب الشرط دليل واضح على ذلك . لأن الربط بين الشرط والجزاء يقتضيه ، وهذا هو أظهر الأقوال . لدلالة القرآن عليه ، وعليه فاليتامى جمع يتيمة على القلب ، كما قيل أيامى والأصل أيائم ويتائم لما عرف أن جمع الفعلية فعائل ، وهذا القلب يطرد في معتل اللام كقضية ، ومطية ، ونحو ذلك ويقصر على السماع فيما سوى ذلك . قال ابن خويز منداد يُؤخذ من هذه الآية جواز اشتراء الوصي وبيعه من مال اليتيم لنفسه بغير محاباة ، وللسلطان النظر فيما وقع من ذلك ، وأخذ بعض العلماء من هذه الآية أن الولي إذا اراد نكاح من هو وليها جاز أن يكون هو الناكِح والمنكح وإليه ذهب مالك ، وأبو حنيفة ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبو ثور ، وقاله من التابعين الحسن وربيعة وهو قول الليث . وقال زفر والشافعي لا يجوز له أن يتزوجها إلا بإذن السلطان ، أو يزوجها ولي آخر أقرب منه أو مساو له . وقال أحمد في إحدى الروايتين يُوكل رجلاً غيره فيزوجها منه ، وروي هذا عن المغيرة بن شعبة ، كحما نقله القرطبي ، وغيره . وأخذ مالك بن أنس من تفسير عائشة لهذه الآية ، كما ذكرنا الرد إلى صداق المثل فيما فسد من الصداق ، أو وقع الغبن في مقداره . لأن عائشة رضي الله عنها ، قالت " ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق " فدل على أن للصداق سنة معروفة لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم ، وقد قال مالك للناس مناكح عُرفت لهم ، وعُرفوا لها يعني مهوراً وأكفاء . ويؤخذ ايضاً من هذه الآية جواز تزويج اليتيمة إذا أُعطيت حقوقها وافية ، وما قاله كثير من العلماء من أن اليتيمة لا تزوج حتى تبلغ ، محتجين بأن قوله تعالى { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ } النساء 127 اسم ينطلق على الكبار دون الصغار ، فو ظاهر السقوط . لأن الله صرح بأنهن يتامى ، بقوله { فِي يَتَامَى ٱلنِّسَآءِ } النساء 127 وهذا الاسم أيضاً قد يُطلق على الصغار ، كما في قوله تعالى { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } البقرة 49 وهن إذ ذاك رضيعات فالظاهر المتبادر من الآية جواز نكاح اليتيمة مع الإقساط في الصداق ، وغيره من الحقوق . ودلت السنة على أنها لا تُجبر ، فلا تزوج إلا برضاها ، وإن خالف في تزويجها خلق كثير من العلماء . تنبيه قال القرطبي في تفسير هذه الآية ما نصه واتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } النساء 3 ليس له مفهوم إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة ، اثنتين ، أو ثلاثاً ، أو أربعاً ، كمن خاف فدل على أنَّ الآية نزلت جواباً لمن خاف ذلك وأن حكمها أعم من ذلك اهـ منه بلفظه . قال مقيده - عفا الله عنه - الذي يظهر في الآية على ما فسرتها به عائشة ، وارتضاه القرطبي ، وغير واحد من المحققين ودل عليه القرآن أن لها مفهوماً معتبراً . لأن معناها وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتيمات فانكحوا ما طاب لكم من سواهن ، ومفهومه أنهم إن لم يخافوا عدم القسط لم يؤمروا بمجاوزتهن إلى غيرهن ، بل يجوز لهم حينئذ الاقتصار عليهن وهو واضح كما ترى ، إلا أنه تعالى لما أمر بمجاوزتهن إلى غيرهن عند خوفهم أن لا يقسطوا فيهن ، أشار إلى القدر الجائز من تعدد الزوجات ، ولا إشكال في ذلك والله أعلم . وقال بعض العلماء معنى الآية { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } . أي إن خشيتم ذلك فتحرجتم من ظلم اليتامى ، فاخشوا أيضاً وتحرجوا من ظلم النساء بعدم العدل بينهن ، وعدم القيام بحقوقهن ، فقللوا عدد المنكوحات ولا تزيدوا على أربع ، وإن خفتم عدم إمكان ذلك مع التعدد فاقتصروا على الواحدة . لأن المرأة شبيهة باليتيم ، لضعف كل واحد منهما وعدم قدرته على المدافعة عن حقه فكما خشيتم من ظلمه فاخشوا من ظلمها . وقال بعض العلماء كانوا يتحرجون من ولاية اليتيم ولا يتحرجون من الزنى فقيل لهم في الآية إن خفتم الذنب في مال اليتيم فخافوا ذنب الزنا ، فانكحوا ما طاب لكم من النساء ولا تقربوا الزنا . وهذا أبعد الأقوال فيما يظهر والله تعالى أعلم . ويؤخذ من هذه الآية الكريمة ايضاً أن من كان في حجره يتيمة لا يجوز له نكاحها إلا بتوفيته حقوقها كاملة ، وأنه يجوز نكاح أربع ويحرم الزيادة عليها ، كما دل على ذلك أيضاً إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف الضال ، وقوله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة " اختر منهن أربعاً وفارق سائرهن " وكذا قال للحارث بن قيس الأسدي وأنه مع خشية عدم العدل لا يجوز نكاح غير واحدة والخوف في الآية . قال بعض العلماء معناه الخشية ، وقال بعض العلماء معناه العلم . أي وإن علمتم ألا تقسطوا - الآية . ومن إطلاق الخوف بمعنى العلم . قول أبي محجن الثقفي . @ إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي في الممات عروقها ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت ألا أذوقها @@ فقوله أخاف يعني أعلم . تنبيه عبر تعالى عن النساء في هذه الآية " بما " التي هي لغير العاقل في قوله { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } النساء 3 ولم يقل من طاب . لأنها هنا أُريد بها الصفات لا الذوات . أي ما طاب لكم من بكر أو ثيب ، أو ما طاب لكم لكونه حلالاً ، وإذا كان المراد الوصف عبر عن العاقل " بما " كقولك ما زيد في الاستفهام تعني أفاضل ؟ وقال بعض العلماء عبر عنهن " بما " إشارة إلى نقصانهن وشبههن بما لا يعقل حيث يؤخذ بالعوض والله تعالى أعلم .