Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 3-4)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } . كتاب خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا كتاب ، والكتاب ، فعال بمعنى مفعول ، أي مكتوب . وإنما قيل له كتاب ، لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ ، كما قال تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [ البروج : 21ـ22 ] . ومكتوب أيضاً في صحف عند الملائكة كما قال تعالى : { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [ عبس : 11ـ16 ] . وقال تعالى في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ، لما تضمنته الصحف المكتوب فيها القرآن : { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } [ البينة : 2ـ3 ] . وقوله تعالى : { فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } . التفصيل ضد الإجمال ، أي فصل الله آيات هذا القرآن ، أي بينها وأوضح فيها ما يحتاج إليه الخلق ، من أمور دينهم ودنياهم . والمسوغ لحذف الفاعل في قوله تعالى : { فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } هو العلم بأن تفصيل آيات هذا القرآن ، لا يكون إلا من الله وحده . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من تفصيل آيات هذا الكتاب ، جاء موضحاً في آيات أخر ، مبيناً فيها أن الله فصله على علم منه وأن الذي فصله حكيم خبير ، وأنه فصله ليهدي به الناس ويرحمهم ، وأن تفصيله شامل لكل شيء ، وأنه لا شك أنه منزل من الله كقوله تعالى : { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 52 ] وقوله تعالى : { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [ هود : 1 ] . وقوله تعالى : { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 37 ] وقوله تعالى : { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ يوسف : 111 ] وقوله تعالى : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً } [ الأنعام : 114 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة . قوله تعالى : { قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } . قوله : قرآناً عربياً قد تكلمنا عليه وعلى الآيات التي بمعناه في القرآن في سورة الزمر ، في الكلام على قوله تعالى : { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } [ الزمر : 28 ] الآية . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ، أي فصلت آياته ، في حال كونه قرآناً عربياً لقوم يعلمون . وإنما خصهم بذلك ، لأنهم هم المنتفعون بتفصيله ، كما خصهم بتفصيل الآيات في سورة يونس في قوله تعالى : { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ يونس : 5 ] ، وفي سورة الأنعام في قوله تعالى : { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } [ الأنعام : 97ـ98 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد أوضحنا وجه تخصيص المنتفعين بالأمر المشترك دون غيرهم في سورة فاطر في الكلام على قوله تعالى : { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ فاطر : 18 ] وبينا هناك أن تخصيصهم بالإنذار دون غيرهم ، في آية فاطر هذه ، وفي قوله تعالى في يس { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } [ يس : 11 ] وقوله في النازعات : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } [ النازعات : 45 ] وقوله في الأنعام : { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } [ الأنعام : 51 ] الآية . مع أن أصل الإنذار عام شامل للمذكورين وغيرهم كما يدل عليه قوله تعالى { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] . وإنما خص المذكورين بالإنذار ، لأنهم هم المنتفعون به ، لأن من لم ينتفع بالإنذار ، ومن لم ينذر أصلاً سواء في عدم الانتفاع ، كما قال الله تعالى { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } [ يس : 10 ] . وقوله تعالى ، في هذه الآية الكريمة { بَشِيراً وَنَذِيراً } حال بعد حال . وقد قدمنا الكلام عليه وبعض شواهده العربية ، في أول سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى { لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الكهف : 2 ] الآية . وبسطنا الكلام عليه في أول سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى : { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الأعراف : 2 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ } قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يس في الكلام على قوله تعالى { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } [ يس : 7 ] وفي سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 116 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي لا يسمعون سماع قبول وانتفاع . وقد أوضحنا ذلك بالآيات القرآنية في سورة النمل في الكلام على قوله تعالى { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ } [ النمل : 80 ] الآية .