Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 6-7)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } . أمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، نبيه صلى الله عليه وسلم ، أن يقول للناس : { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } . والقصر في قوله : { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ } إضافي أي لا أقول لكم إني ملك ، وإنما أنا رجل من البشر . وقوله : { مِّثْلُكُمْ } في الصفات البشرية ، ولكن الله فضلني بما أوحي إليَّ من توحيده . كما قال تعالى عن الرسل في سورة إبراهيم : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ إبراهيم : 11 ] أي كما منَّ علينا بالوحي والرسالة . وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة ذكره في آخر سورة الكهف في قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً } [ الكهف : 110 ] الآية . وقد أوضحنا وجه حصر ما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم ، في مضمون لا إله إلا الله ، في قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ الأنبياء : 108 ] في سورة بني إسرائيل ، في الكلام على قوله تعالى { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [ الإسراء : 9 ] . وبينا في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك إنكار المشركين كون الرسل من البشر ، وأنهم ينبغي أن يكونوا من الملائكة ، وما رد الله عليهم به ذلك من الآيات القرآنية ، أوضحنا ذلك في سورة ص ، في الكلام على قوله تعالى : { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } [ ص : 4 ] وفي سورة بني إسرائيل ، في الكلام على قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ } [ الإسراء : 94 ] إلى قوله : { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } [ الإسراء : 95 ] . قوله تعالى : { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } . قد استدل بعض علماء الأصول بهذه الآية الكريمة ، على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ، لأنه تعالى صرح في هذه الآية الكريمة ، بأنهم مشركون ، وأنهم كافرون بالآخرة ، وقد توعدهم بالويل على شركهم وكفرهم بالآخرة ، وعدم إيتائهم الزكاة ، سواء قلنا إن الزكاة في الآية هي زكاة المال المعروفة ، أو زكاة الأبدان بفعل الطاعات واجتناب المعاصي . ورجح بعضهم القول الأخير لأن سورة فصلت هذه ، من القرآن النازل بمكة قبل الهجرة ، وزكاة المال المعروفة إنما فرضت بعد الهجرة سنة اثنتين ، كما قدمناه في سورة الأنعام ، في الكلام على قوله تعالى : { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } [ الأنعام : 141 ] . وعلى كل حال ، فالآية تدل على خطاب الكفار بفروع الإسلام . أعني امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، من كونهم مخاطبين بذلك وأنهم يعذبون على الكفر ، ويعذبون على المعاصي ، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى عنهم مقرراً له : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } [ المدثر : 42ـ47 ] . فصرح تعالى عنهم ، مقرراً له أن من الأسباب التي سلكتهم في سقر ، أي أدخلتهم النار ، عدم الصلاة ، وعدم إطعام المسكين ، وعد ذلك مع الكفر بسبب التكذيب بيوم الدين . ونظير ذلك قوله تعالى : { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ } [ الحاقة : 30ـ32 ] ثم بين سبب ذلك فقال : { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 33ـ36 ] الآية إلى غير ذلك من الآيات .