Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 11-11)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَاطِرُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } . قوله تعالى : { فَاطِرُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْض } تقدم تفسيره في أول سورة فاطر . وقوله : { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } . أي خلق لكم أزواجاً من أنفسكم كما قدمنا الكلام عليه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } [ النحل : 72 ] وبينا أن المراد بالأزواج الإناث كما يوضحه قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَة } [ الروم : 21 ] الآية . وقوله تعالى : { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [ النجم : 45 - 46 ] وقوله : { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ القيامة : 39 ] وقوله تعالى : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ الليل : 1 - 3 ] الآية . وقوله في آدم : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [ النساء : 1 ] الآية . وقوله تعالى فيه أيضاً : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيها } [ الأعراف : 189 ] الآية . وقوله تعالى فيه أيضاً : { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [ الزمر : 6 ] الآية . وقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجا } هي الثمانية المذكورة في قوله تعالى : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ } [ الأنعام : 143 ] الآية . وفي قوله : { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [ الزمر : 6 ] وهي ذكور الضأن والمعز والإبل والبقر وإناثها ، كما قدمنا إيضاحه في سورة آل عمران في الكلام على قوله تعالى : { وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ } [ آل عمران : 14 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } الظاهر أن ضمير الخطاب في قوله { يذرؤكم } شامل للآدميين والأنعام ، وتغليب الآدميين على الأنعام في ضمير المخاطبين في قوله : يذرؤكم واضح لا إشكال فيه . والتحقيق إن شاء الله أن الضمير في قوله : " فيه " راجع إلى ما ذكر من الذكور والإناث ، من بني آدم والأنعام في قوله تعالى : { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجا } [ الشورى : 11 ] سواء قلنا إن المعنى : أنه جعل للآدميين إناثاً من أنفسهم أي من جنسهم ، وجعل للأنعام أيضاً إناثاً كذلك ، أو قلنا إن المراد بالأزواج الذكور والإناث منهما معاً . وإذا كان ذلك كذلك ، فمعنى الآية الكريمة يذرؤكم أي يخلقكم ويبثكم وينشركم فيه ، أي فيما ذكر من الذكور والإناث ، أي في ضمنه ، عن طريق التناسل كما هو معروف . ويوضح ذلك في قوله تعالى : { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } [ النساء : 1 ] فقوله تعالى : { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } يوضح معنى قوله : { يَذْرَؤُكُمْ فِيه } . فإن قيل : ما وجه إفراد الضمير المجرور في قوله يذرؤكم فيه ، مع أنه على ما ذكرتم ، عائد إلى الذكور والإناث من الآدميين والأنعام ؟ فالجواب : أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن ، رجوع الضمير أو الإشارة بصيغة الإفراد إلى مثنى أو مجموع باعتبار ما ذكر مثلاً . ومثاله في الضمير : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ } [ الأنعام : 46 ] الآية ، فالضمير في قوله : به مفرد مع أنه راجع إلى السمع والأبصار والقلوب . فقوله : { يأتيكم به } أي بما ذكر من سمعكم وأبصاركم وقلوبكم ، ومن هذا المعنى قول رؤبة بن العجاج : @ فيها خطوط من سواد وبلق كأن في الجلد توليع البهق @@ فقوله : كأنه أي ما ذكر من خطوط من سواد وبلق . ومثاله في الإشارة { لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } [ البقرة : 68 ] أي بين ذلك المذكور ، من فارض وبكر ، وقول عبد الله بن الزبعري السهمي : @ إن للخير وللشر مدى وكلا ذلك وجه وقبل @@ أي كلا ذلك المذكور من الخير والشر . وقول من قال ، إن الضمير في قوله فيه راجع إلى الرحم ، وقول من قال راجع إلى البطن ، ومن قال راجع إلى الجعل المفهوم من جعل وقول من قال : راجع إلى التدبير ، ونحو ذلك من الأقوال خلاف الصواب . والتحقيق إن شاء الله هو ما ذكرنا والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } . وقد قدمنا الكلام عليه في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [ الأعراف : 54 ] .