Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 7-7)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً } . وقد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الشعراء في الكلام على قوله تعالى : { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } [ الشعراء : 194ـ195 ] ، وفي الزمر في الكلام على قوله تعالى : { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } [ الزمر : 28 ] وفي غير ذلك من المواضع . قوله تعالى : { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } . خص الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة إنذاره ، صلى الله عليه وسلم بأم القرى ومن حولها ، والمراد بأم القرى مكة حرسها الله . ولكنه أوضح في آيات أخر أن إنذاره عام لجميع الثقلين كقوله تعالى : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [ الأعراف : 158 ] وقوله تعالى : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] وقوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } [ سبأ : 28 ] الآية . كما أوضحنا ذلك مراراً في هذا الكتاب المبارك . وقد ذكرنا الجواب عن تخصيص أم القرى ومن حولها هنا وفي سورة الأنعام في قوله تعالى : { وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [ الأنعام : 92 ] الآية ، في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ، فقلنا فيه : والجواب من وجهين : الأول : أن المراد بقوله : { وَمَنْ حَوْلَهَا } [ الأنعام : 92 ] شامل لجميع الأرض ، كما رواه ابن جرير وغيره ، عن ابن عباس . الوجه الثاني : أنا لو سلمنا تسليماً جدلياً ، أن قوله { وَمَنْ حَوْلَهَا } [ الأنعام : 92 ] لا يتناول إلا القريب من مكة المكرمة حرسها الله ، كجزيرة العرب مثلاً ، فإن الآيات الأخر ، نصت على العموم كقوله { لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] وذكر بعض أفراد العام بحكم العام ، لا يخصصه عند عامة العلماء ، ولم يخالف فيه إلا أبو ثور . وقد قدمنا ذلك واضحاً بأدلته في سورة المائدة ، فالآية على هذا القول كقوله { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] فإنه لا يدل على عدم إنذار غيرهم ، كما هو واضح . والعلم عند الله تعالى اهـ منه . قوله تعالى : { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيه } . تضمنت هذه الآية الكريمة أمرين : أحدهما : أن من حكم إيحائه تعالى ، إلى نبينا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العربي ، إنذار يوم الجمع ، فقوله تعالى : { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } معطوف على قوله : { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } أي لا بد أن تنذر أم القرى وأن تنذر يوم الجمع فحذف في الأول ، أحد المفعولين وحذف في الثاني أحدهما ، فكان ما أثبت في كل منهما ، دليلاً على ما حذف في الثاني ، ففي الأول حذف المفعول الثاني ، والتقدير " لتنذر أم القرى " أي أهل مكة ومن حولها ، عذاباً شديداً إن لم يؤمنوا ، وفي الثاني حذف المفعول الأول ، أي وتنذر الناس يوم الجمع وهو يوم القيامة أي تخوفهم مما فيه من الأهوال ، والأوجال ليستعدوا لذلك في دار الدنيا . والثاني : أن يوم الجمع المذكور لا ريب فيه ، أي لا شك في وقوعه ، وهذان الأمران اللذان تضمنتهما هذه الآية الكريمة ، جاءا موضحين في آيات أخر . أما تخويفه الناس يوم القيامة ، فقد ذكر في مواضع من كتاب الله كقوله تعالى : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } [ البقرة : 281 ] الآية . وقوله تعالى : { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } [ غافر : 18 ] الآية . وقوله تعالى : { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } [ المزمل : 17ـ18 ] : وقوله تعالى : { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ المطففين : 4ـ6 ] والآيات بمثل ذلك كثيرة . وأما الثاني منهما : وهو كون يوم القيامة لا ريب فيه فقد جاء في مواضع أخركقوله تعالى : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } [ النساء : 87 ] وقوله { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [ آل عمران : 25 ] وقوله تعالى : { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } [ الحج : 7 ] الآية . وقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَة } [ الجاثية : 32 ] الاية . إلى غير ذلك من الآيات . وإنما سمي يوم القيامة يوم الجمع ، لأن الله يجمع فيه جميع الخلائق . والآيات الموضحة لهذا المعنى ، كثيرة كقوله تعالى : { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الواقعة : 49ـ50 ] وقوله تعالى : { هذا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ } [ المرسلات : 38 ] . وقوله تعالى : { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [ النساء : 87 ] الآية . وقوله تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } [ التغابن : 9 ] وقوله تعالى : { ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [ هود : 103 ] وقوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ آل عمران : 25 ] وقوله تعالى : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } [ الكهف : 47 ] . وقد بين تعالى شمول ذلك الجمع لجميع الدواب والطير في قوله تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] ، والآيات الدالة على الجمع المذكورة كثيرة . قوله تعالى : { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } . ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الله خلق الخلق ، وجعل منهم فريقاً سعداء ، وهم أهل الجنة ، وفريقاً أشقياء وهم أصحاب السعير ، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } [ التغابن : 2 ] وقوله تعالى : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } [ هود : 118ـ119 ] أي ولذلك الاختلاف ، إلى المؤمن وكافر وشقي وسعيد ، خلقهم على الصحيح ، ونصوص الوحي الدالة على ذلك كثيرة جداً . وقد ذكرنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ، وجه الجمع بين قوله : { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } على التفسير المذكور ، وبين قوله { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ، وسنذكر ذلك إن شاء الله في سورة الذاريات . وقد قدمنا معنى السعير بشواهده العربية في أول سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : { وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ الحج : 4 ] ، والجنة في لغة العرب البستان . ومنه قول زهير بن أبي سلمى : @ كأن عيني في غربي مقتلة من النواضح تسقي جنة سحقا @@ فقوله : جنة سحقا ، يعني بستاناً طويل النخل ، وفي اصطلاح الشرع هي دار الكرامة التي أعد الله لأوليائه يوم القيامة . والفريق : الطائفة من الناس ، ويجوز تعدده إلى أكثر من اثنين ، ومنه قول نصيب : @ فقال فريق القوم لا ، وفريقهم نعم وفريق قال ويحك ما ندري @@ والمسوغ للابتداء بالنكرة في قوله : فريق في الجنة ، أنه في معرض التفصيل . ونظيره من كلام العرب قول امرئ القيس :