Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 33-35)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله لبيوتهم ، في الموضعين ، قرأه ورش وأبو عمرو وحفص ، عن عاصم بضم الباء على الأصل . وقرأه قالون ، عن نافع وابن كثير ، وابن عامر ، وحمزة والكسائي ، وشعبة عن عاصم { لبيوتهم } بكسر الباء لمجانسة الكسرة للياء . وقوله سقفاً : قرأه نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وعاصم ، سقفاً بضمتين ، على الجمع . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو { سقفاً } بفتح السين وإسكان القاف على الإفراد المراد به الجمع . وقوله : { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا } قرأه نافع وابن كثير ، وابن عامر ، في رواية ابن ذكوان ، وإحدى الروايتين عن هشام وأبي عمرو والكسائي { لما متاع الحياة الدنيا } بتخفيف الميم من لما . وقرأه عاصم ، وحمزة وهشام ، عن ابن عامر ، وفي إحدى الروايتين { لما متاع الحياة الدنيا } بتشديد الميم من لما . ومعنى الآية الكريمة ، أن الله لما بين حقارة الدنيا ، وعظم شأن الآخرة في قوله : { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ الزخرف : 32 ] . أتبع ذلك ببيان شدة حقارتها ، وأنه جعلها مشتركة ، بين المؤمنين ، والكافرين وجعل ما في الآخرة من النعيم خاصاً بالمؤمنين ، دون الكافرين وبين حكمته في اشتراك المؤمن مع الكافر ، في نعيم الدنيا بقوله : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي لولا كراهتنا لكون جميع الناس أمة واحدة ، متفقة على الكفر ، لأعطينا زخارف الدنيا كلها للكفار . ولكننا لعلمنا ، بشدة ميل القلوب إلى زهرة الحياة الدنيا ، وحبها لها لو أعطينا ذلك كله للكفار ، لحملت الرغبة في الدنيا جميع الناس على أن يكونوا كفاراً ، فجعلنا في كل من الكافرين والمؤمنين غنياً وفقيراً ، وأشركنا بينهم في الحياة الدنيا . ثم بين جل وعلا اختصاص نعيم الآخرة بالمؤمنين في قوله : { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 35 ] . أي خالصة لهم دون غيرهم . وهذا المعنى جاء موضحاً في غير هذا الموضع ، كقوله تعالى في الأعراف : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَة } [ الأعراف : 32 ] . فقوله : { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الأعراف : 32 ] أي مشتركة بينهم في الحياة الدنيا ، خالصة يوم القيامة . أي خاصة بهم ، دون الكفار ، يوم القيامة . إذ لا نصيب للكفار البتة في طيبات الآخرة . فقوله في آية الأعراف هذه { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الأعراف : 32 ] صريح في اشتراك المؤمنين مع الكفار في متاع الحياة الدنيا . وذلك الاشتراك المذكور ، دل عليه حرف الامتناع ، للوجود الذي هو لولا ، في قوله هنا { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ الزخرف : 33 ] . وخصوص طيبات الآخرة ، بالمؤمنين المنصوص عليه في آية الأعراف بقوله { خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَة } [ الأعراف : 32 ] هو الذي أوضحه تعالى في آية الزخرف هذه بقوله { وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 35 ] . وجميع المؤمنين يدخلون في الجملة في لفظ المتقين لأن كل مؤمن اتقى الشرك بالله . وما دلت عليه هذه الآيات . من أنه تعالى يعطي الكفار من متاع الحياة الدنيا ، دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله . كقوله تعالى { قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ } [ البقرة : 126 ] وقوله { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] وقوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ يونس : 23 ] وقوله { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [ يونس : 69 - 70 ] والآيات بمثل هذا كثيرة . وقد بين تعالى في آيات من كتابه ، أن إنعامه على الكافرين ليس لكرامتهم عليه ، ولكنه للاستدراج ، كقوله تعالى { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [ القلم : 44 - 45 ] وقوله تعالى { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الأنعام : 44 - 45 ] وقوله تعالى { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ الأعراف : 95 ] وقوله تعالى { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } [ مريم : 75 ] على أظهر التفسيرين . وقوله تعالى : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ آل عمران : 178 ] وقوله تعالى : { فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ الحج : 44 ] . ودعوى الكفار ، أن الله ما أعطاهم المال ونعيم الدنيا إلا لكرامتهم عليه واستحقاقهم لذلك ، وأنه إن كان البعث حقاً أعطاهم خيراً منه في الآخرة قد ردها الله عليهم في آيات كثيرة كقوله تعالى { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ } [ المؤمنون : 55 - 56 ] ، وقوله تعالى { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } [ سبأ : 37 ] ، وقوله تعالى { قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } [ الأعراف : 48 ] ، وقوله تعالى : { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } [ المسد : 2 ] وقوله تعالى : { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } [ الليل : 11 ] وقوله تعالى { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } [ الأنعام : 94 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا طرفاً من هذا في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [ الكهف : 36 ] . ولنرجع إلى تفسير ألفاظ الآية الكريمة . فقوله { جعلنا } أي صيرنا ، وقوله { لبيوتهم } بدل اشتمال مع إعادة العامل ، من قوله لمن يكفر ، وعلى قراءة سقفاً بضمتين ، فهو جمع سقف ، وسقف البيت معروف . وعلى قراءة سقفاً بفتح السين ، وسكون القاف : فهو مفرد أريد به الجمع . وقد قدمنا في أول سورة الحج في الكلام على قوله تعالى { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [ الحج : 5 ] أن المفرد إذا كان اسم جنس . يجوز إطلاقه مراداً به الجمع وأكثرنا من أمثلة ذلك في القرآن ، ومن الشواهد العربية . على ذلك . وقوله { ومعارج } الظاهر أنه جمع معرج بلا ألف بعد الراء . والمعرج والمعراج بمعنى واحد وهو الآلة التي يعرج بها أي يصعد بها ، إلى العلو . وقوله : يظهرون أي يصعدون ويرتفعون ، حتى يصيروا على ظهور البيوت . ومن ذلك المعنى قوله تعالى { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } [ الكهف : 97 ] . والسرر جمع سرير ، والاتكاء معروف . والأبواب جمع باب وهو معروف ، والزخرف الذهب . قال الزمخشري : إن المعارج التي هي المصاعد ، والأبواب والسرر كل ذلك من فضة ، كأنه يرى اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في ذلك ، وعلى هذا المعنى فقوله زخرفاً مفعول ، عامله محذوف والتقدير وجعلنا لهم مع ذلك زخرفاً . وقال بعض العلماء : إن جميع ذلك بعضه من فضة ، وبعضه من زخرف ، أي ذهب . وقد ذكر القرطبي أن إعراب قوله وزخرفاً على هذا القول أنه منصور بنزع الخافض ، وأن المعنى من فضة ، ومن زخرف ، فحذف حرف الجر فانتصب زخرفاً . وأكثر علماء النحو على أن النصب بنزع الخافض ليس مطرداً ولا قياسياً ، وما سمع منه يحفظ ولا يقاس عليه . وعليه درج ابن مالك في الخلاصة في قوله : وإن حذف فالنصب للمنجر نقلاً ، إلخ . وعلي بن سليمان وهو الأخفش الصغير يرى اطراده في كل شيء أمن فيه اللبس ، كما أشار في الكافية بقوله : @ وابن سليمان اطراده رأى إن لم يخف لبس كمن زيد نأى @@ وقوله تعالى : { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } على قراءة الجمهور بتخفيف الميم من لما ، فإن هي المخففة ، من الثقيلة ، واللام هي الفارقة بين إن المخففة من الثقيلة ، وإن النافية المشار إليها بقوله في الخلاصة : @ وخففت إن فعل العمل وتلزم اللام إذا ما تهمل @@ وما مزيدة للتوكيد ، وأما على قراءة عاصم وحمزة وابن عامر في إحدى الروايتين عن هشام لما بتشديد الميم فإن نافية ، ولما حرف إثبات بمعنى إلا . والمعنى : وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا . وذكره بعضهم أن تشديد ميم لما على بعض القراءات في هذه الآية وآية الطارق { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } [ الطارق : 4 ] لغة بني هذيل بن مدركة والعلم عند الله تعالى .