Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 71-71)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ } . قد قدمنا الآيات الموضحة له ، وجميع الآيات التي فيها الإنعام على أهل الجنة بأواني الذهب والفضة ، والتحلي بهما ، ولبس الحرير ، ومنه السندس والإستبرق ، وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } [ النحل : 14 ] . قوله تعالى : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، أن كل ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، أي تلتذ به الأعين أي برؤيته لحسنه ، كما قال تعالى : { صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } [ البقرة : 69 ] . وأسند اللذة إلى العين ، وهي في الحقيقة مسندة لصاحب العين ، كإسناد الكذب والخطيئة إلى الناصية ، وهي مقدم شعر الرأس ، في قوله تعالى : { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } [ العلق : 16 ] وكإسناد الخشوع ، والعمل والنصب ، إلى الوجوه ، في قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } [ الغاشية : 2 - 3 ] الآية . ومعلوم أن الكذب والخطيئة مسندان في الحقيقة لصاحب الناصية ، كما أن الخشوع والعمل ، والنصب مسندات إلى أصحاب الوجوه . وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الجنة ، فيها كل مشتهى ، وكل مستلذ ، جاء مبسوطاً موضحة أنواعه في آيات كثيرة ، من كتاب الله ، وجاء محمد أيضاً إجمالاً شاملاً لكل شيء من النعيم . أما إجمال ذلك ففي قوله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ السجدة : 17 ] . وأما بسط ذلك وتفصيله ، فقد بين القرآن ، أن من ذلك النعيم المذكور في الآية ، المشارب ، والمآكل والمناكح ، والفرش والسرر ، والأواني ، وأنواع الحلي والملابس والخدم إلى غير ذلك ، وسنذكر بعض الآيات الدالة على كل شيء من ذلك . أما المآكل فقد قال تعالى : { لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } [ الزخرف : 73 ] ، وقال : { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [ الواقعة : 21 ] وقال تعالى : { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [ الواقعة : 32 - 33 ] وقال تعالى : { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } [ البقرة : 25 ] الآية . إلى غير ذلك من الآيات . أما المشارب ، فقد قال تعالى : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } [ الإنسان : 5 - 6 ] . وقال تعالى : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } [ الإنسان : 17 - 18 ] الآية ، وقوله تعالى : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [ الواقعة : 17 - 19 ] . وقال تعالى : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [ الصافات : 45 - 47 ] : وقال تعالى : { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } [ محمد صلى الله عليه وسلم : 15 ] وقال تعالى { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] إلى غير ذلك من الآيات . وأما الملابس والأواني والحلي ، فقد قدمنا الكلم عليها مستوفى في سورة النحل . وأما المناكح فقد قدمنا بعض الآيات الدالة عليها قريباً . وهي كثيرة كقوله تعالى : { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } [ البقرة : 25 ] الآية . ويكفي ما قدمنا من ذلك قريباً . وأما ما يتكئون عليه من الفرش والسرر ونحو ذلك ، ففي آيات كثيرة كقوله تعالى : { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } [ الرحمن : 54 ] . وقوله تعالى : { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } [ يس : 56 ] وقوله تعالى : { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } [ الواقعة : 15 - 16 ] . والسرر الموضونة هي المنسوجة بقضبان الذهب . وقوله تعالى { إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [ الحجر : 47 ] . وقوله تعالى : { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } [ الغاشية : 13 ] . وقوله تعالى : { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ } [ الرحمن : 76 ] إلى غير ذلك من الآيات . وأما خدمهم فقد قال تعالى في ذلك : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } [ الواقعة : 17 ] الآية . وقال تعالى في سورة الإنسان في صفة هؤلاء الغلمان : { إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } [ الإنسان : 19 ] ، وذكر نعيم أهل الجنة بأبلغ صيغة في قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } [ الإنسان : 20 ] . والآيات الدالة على أنواع نعيم الجنة وحسنها وكمالها كالظلال والعيون والأنهار وغير ذلك كثيرة جداً ولنكتف بما ذكرنا . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ، قد قدمنا الآيات الموضحة ، لأن خلودهم المذكور لا انقطاع له ألبتة كقوله تعالى : { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] أي غير مقطوع ، وقوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } [ ص : 54 ] وقوله تعالى : { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } [ النحل : 96 ] .