Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 6-8)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { تَلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } . أشار جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى آيات القرآن العظيم ، وبين لنبيه أنه يتلوها عليه ، متلبسة بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه . وما ذكره جل وعلا في آية الجاثية هذه ، ذكره في آيات أخر بلفظه كقوله تعالى في البقرة : { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِين تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ البقرة : 251 - 252 ] وقوله تعالى في آل عمران : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِين } [ آل عمران : 107 - 108 ] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { تلك } بمعنى هذه . ومن أساليب اللغة العربية إطلاق الإشارة إلى البعيد على الإشارة إلى القريب كقوله : { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } [ البقرة : 2 ] بمعنى هذا الكتاب . كما حكاه البخاري عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ، ومن شواهده قول خفاف بن ندبة السلمي : @ فإن تك خيلي قد أصيب صميمها فعمداً على عيني تيممت مالكا أقول له والرمح يأطر متنه تأمل خفافاً إنني أنا ذالكا @@ يعني أنا هذا . وقد أوضحنا هذا المبحث وذكرنا أوجهه في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب ، عن آيات الكتاب ) في أول سورة البقرة وقوله تعالى : { نتلوها } أي نقرؤها عليك . وأسند جل وعلا تلاوتها إلى نفسه لأنها كلامه الذي أنزله على رسوله بواسطة الملك ، وأمر الملك أن يتلوه عليه مبلغاً عنه جل وعلا . ونظير ذلك قوله تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [ القيامة : 16 - 19 ] . فقوله : فإذا قرأناه أي قرأه عليك المرسل به ، من قبلنا مبلغاً عنا ، وسمعته منه ، فاتبع قرآنه أي فاتبع قراءته واقرأه كما سمعته يقرؤه . وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله : { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [ طه : 114 ] . وسماعه صلى الله عليه وسلم القرآن من الملك المبلغ عن الله كلام الله وفهمه له هو معنى تنزله إياه على قلبه في قوله تعالى : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 97 ] وقوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } [ الشعراء : 192 - 195 ] وقوله تعالى في هذه الآية : { تَلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 6 ] يعني آياته الشرعية الدينية . واعلم أن لفظ الآية ، يطلق في اللغة العربية إطلاقين ، وفي القرآن العظيم إطلاقين أيضاً . أما إطلاقاه في اللغة العربية . فالأول منهما وهو المشهور في كلام العرب ، فهو إطلاق الآية بمعنى العلامة ، وهذا مستفيض في كلام العرب ، ومنه قول نابغة ذبيان : @ توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع @@ ثم بين أن مراده بالآيات علامات الدار في قوله بعده : @ رماد ككحل العين لأياً أبينه ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع @@ وأما الثاني منهما فهو إطلاق الآية بمعنى الجماعة ، يقولون : جاء بآيتهم أي بجماعتهم . ومنه قول برج بن مسهر : @ خرجنا من النقبين لا حي مثلنا بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا @@ وقوله : بآياتنا يعني بجماعتنا . وأما إطلاقاه في القرآن العظيم : فالأول منهما إطلاق الآية الشرعية الدينية كآيات هذا القرآن العظيم ، ومنه قوله تعالى هنا : { تَلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } الآية . وأما الثاني منهما : فهو إطلاق الآية على الآية الكونية القدرية كقوله تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ آل عمران : 190 ] . أما الآية الكونية القدرية فهي بمعنى الآية اللغوية التي هي العلامة ، لأن الآيات الكونية علامات قاطعة ، على أن خالقها هو الرب المعبود وحده . وأما الآية الشرعية الدينية ، فقال بعض العلماء : إنها أيضاً من الآية التي هي العلامة ، لأن آيات هذا القرآن العظيم ، علامات على صدق من جاء بها ، لما تضمنته من برهان الإعجار ، أو لأن فيها علامات يعرف بها مبدأ الآيات ومنتهاها . وقال بعض العلماء إنها من الآية بمعنى الجماعة ، لتضمنها جملة من كلمات القرآن وحروفه . واختار غير واحد أن أصل الآية أيية بفتح الهمزة وفتح الياءين بعدها ، فاجتمع في الياءين موجباً إعلال ، لأن كلا منهما متحركة أصلية بعد فتح متصل ، كما أشار له في الخلاصة بقوله : @ @ من واو وياء بتحريك أصل ألفاً أبدل بعد فتح متصل @@ @@ إن حراك التالي … الخ . والمعروف في علم والمعروف في علم التصريف ، أنه إن اجتمع موجباً إعلال في كلمة واحدة فالأكثر في اللغة العربية تصحيح الأول منهما ، وإعلال الثاني بإبداله ألفا كالهوى والنوى والطوى والشوى ، وربما صحح الثاني وأعل الأول كغاية ، وراية ، وآية على الأصح ، من أقوال عديدة ، ومعلوم أن إعلالهما لا يصح ، ولهذا أشار فى الخلاصة بقوله : من واو وياء بتحريك أصل ألفاً أبدل بعد فتح متصل إن حرك التالي … إلخ . والمعروف في علم التصريف ، أنه إن اجتمع موجباً إعلال في كلمة واحدة فالأكثر في اللغة العربية تصحيح الأول منها ، وإعلال الثاني بإبداله ألفا كالهوى والنوى والطوى والشوى ، وربما صحح الثاني وأعل الأول كغاية وراية ، وآية على الأصح ، من اقوال عديدة ، ومعلوم أن إعلالهما لا يصح ، ولهذا أشار في الخلاصة بقوله : @ وإن لحرفين ذا الإعلال استحق صحح أول وعكس قد يحق @@ قوله تعالى : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم يَسْمَعُ آيَاتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } . ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن من كفر بالله وبآيات الله ولم يؤمن بذلك مع ظهور الأدلة والبراهين على لزوم الإيمان بالله ، وآياته أنه يستبعد ، أن يؤمن بشئ آخر ، لأنه لو كان يؤمن بحديث لآمن بالله وبآياته لظهور الأدلة على ذلك ، وأن من لم يؤمن بآيات الله متوعد بالويل ، وأنه أفاك أثيم ، والأفاك : كثير الإفك وهو أسوأ الكذب ، والأثيم : هو مرتكب الإثم بقلبه وجوارحه ، فهو مجرم بقلبه ولسانه وجوارحه ، قد ذكره تعالى في غير هذا الموضع فتوعد المكذبين لهذا القرآن ، بالويل يوم القيامة ، وبين استبعاد إيمانهم ، بأي حديث بعد أن لم يؤمنوا بهذا القرآن ، وذلك بقوله في آخر المرسلات : { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } [ المرسلات : 48 - 50 ] فقوله تعالى : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } كقوله هنا { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } . وقد كرر تعالى وعيد المكذبين بالويل في سورة المرسلات كما هو معلوم وقوله في آخر المرسلات : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } كقوله هنا في الجاثية : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } . ومعلوم أن الإيمان بالله على الوجه الصحيح ، يستلزم الإيمان بآياته ، وأن الإيمان بآياته كذلك يستلزم الإيمان به تعالى ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { يَسْمَعُ آيَاتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } يدل على أن من يسمع القرآن يتلى ثم يصر على الكفر والمعاصي في حالة كونه متكبراً عن الانقياد إلى الحق الذي تضمنته آيات القرآن كأنه لم يسمع آيات الله ، له البشارة يوم القيامة بالعذاب الأليم وهو الخلود في النار ، وما تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى في لقمان : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ لقمان : 7 ] وقوله تعالى في الحج : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ الحج : 72 ] وقوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } [ محمد : 16 ] ، فقوله تعالى عنهم : ماذا قال آنفاً : يدل على أنهم ما كانوا يبالون بما يتلو عليهم النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات والهدى . وقد ذكرنا كثيراً من الآيات المتعلقة بهذا المبحث في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى : { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } [ فصلت : 4 - 5 ] الآية . وقوله تعالى في هذه الآية : { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } خففت فيه لفظة كأن ، ومعلوم أن كأن إذا خففت كان اسمها مقدراً وهو ضمير الشأن والجملة خبرها كما قال في الخلاصة : @ وخففت كأن أيضاً فنوى منصوبها وثابتاً أيضاً روى @@ وقد قدمنا في أول سورة الكهف : أن البشارة تطلق غالباً على الإخبار بما يسر ، وأنها ربما أطلقت في القرآن وفي كلام العرب على الإخبار بما يسوء أيضاً . وأوضحنا ذلك بشواهده العربية ، وقوله في هذه الآية الكريمة : { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } . قال بعض العلماء : { وَيْلٌ } واد في جهنم . والأظهر أن لفظة { وَيْلٌ } كلمة عذاب وهلاك ، وأنها مصدر لا لفظ له من فعله ، وأن المسوغ للابتداء بها مع أنها نكرة كونها في معرض الدعاء عليهم بالهلاك . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { فَبَأَيّ حَدِيث بَعْدَ اللَّهِ وَءَايَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } . قرأه نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو وحفص ، عن عاصم : يؤمنون بياء الغيبة . وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وشعبة عن عاصم تؤمنون بتاء الخطاب . وقرأه ورش عن نافع والسوسي عن أبى عمرو يومنون بإبدال الهمزة واواً وصلاً ووقفاً . وقرأه حمزة بإبدال الهمزة واواً في الوقف دون الوصل . والباقون بتحقيق الهمزة مطلقاً .