Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 9-9)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } . الأظهر في قوله { بدعا } أنه فعل بمعنى المفعول فهو بمعنى مبتدع ، والمبتدع هو الذي أبدع على غير مثال سابق . ومعنى الآية قل لهم يا نبي الله : ما كنت أول رسول أرسل إلي البشر ، بل قد أرسل الله قبلي جميع الرسل إلى البشر ، فلا وجه لاستبعادكم رسالتي ، واستنكاركم إياها ، لأن الله أرسل قبلي رسلاً كثيرة . وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، جاء موضحاً في آيات كثيرة ، كقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } [ الرعد : 38 ] وقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } [ الروم : 47 ] الآية . وقوله تعالى : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } [ النساء : 163 ] الآية . وقوله تعالى { حـمۤ عۤسۤقۤ كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ الشورى : 1 - 3 ] وقوله تعالى : { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } [ فصلت : 43 ] الآية . وقوله تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } [ آل عمران : 144 ] الآية . وقوله تعالى : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } [ الأنعام : 34 ] الآية ، الآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة . قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } . التحقيق إن شاء الله ، أن معنى الآية الكريمة ، ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في دار الدنيا ، فما أدري أأخرج من مسقط رأسي أو أقتل كما فعل ببعض الأنبياء . وما أدري ما ينالني من الحوادث والأمور في تحمل أعباء الرسالة . وما أدري ما يفعل بكم أيخسف بكم ، أو تنزل عليكم حجارة من السماء ، ونحو ذلك . وهذا هو اختيار ابن جرير وغير واحد من المحققين . وهذا المعنى في هذه الآية دلت عليه آيات من كتاب الله كقوله تعالى : { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤء } [ الأعراف : 188 ] الآية . وقوله تعالى آمراً له صلى الله عليه وسلم : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } [ الأنعام : 50 ] الآية . وبهذا تعلم أن ما يروى عن ابن عباس وأنس وغيرهما من أن المراد ، { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي في الآخرة فهو خلاف التحقيق ، كما سترى إيضاحه إن شاء الله . فقد روي عن ابن عباس وأنس وقتادة والضحاك وعكرمة والحسن في أحد قوليه أنه لما نزل قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } فرح المشركون واليهود والمنافقون ، وقالوا : كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا وأنه لا فضل له علينا ، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله ، من عند نفسه ، لأخبره الذي بعثه بما يفعل به . فنزلت { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] فنسخت هذه الآية . وقالت الصحابة : هنيئاً لك يا رسول الله ، لقد بين لك الله ما يفعل بك فليت شعرنا ما هو فاعل بنا . فنزلت { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ الفتح : 5 ] الآية . ونزلت : { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] . فالظاهر أن هذا كله خلاف التحقيق ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجهل مصيره يوم القيامة لعصمته صلوات الله وسلامه عليه : وقد قال له الله تعالى { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [ الضحى : 4 - 5 ] وأن قوله : { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } في أمور الدنيا كما قدمنا . فإن قيل : قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " من حديث أم العلاء الأنصارية ما يدل على أن قوله : { مَا يُفْعَلُ بِي } أي في الآخرة فإن حديثها في قصة وفاة عثمان بن مظعون رضي الله عنه عندهم ، ودخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، أنها قالت : رحمة الله عليك ، أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله عز وجل تعني عثمان بن مظعون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ " فقلت : لا أدري بأبي أنت وأمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " الحديث . فالجواب هو ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله ، فقد قال في تفسير هذه الآية الكريمة ، بعد أن ساق حديث أم العلاء المذكور بالسند الذي رواه به أحمد رحمه الله انفرد به البخاري دون مسلم ، وفي لفظ له " ما أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل به " ، وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ بدليل قولها فأحزنني ذلك اهـ . محل الغرض منه وهو الصواب إن شاء الله ، والعلم عند الله تعالى .