Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 4-4)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } . قوله تعالى : فضرب الرقاب مصدر نائب عن فعله ، وهو بمعنى فعل الأمر ، ومعلوم أن صيغ الأمر في اللغة العربية أربع : وهي فعل الأمر كقوله تعالى : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [ الإسراء : 78 ] الآية . واسم فعل الأمر كقوله تعالى : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [ المائدة : 105 ] الآية . والفعل المضارع المجزوم بلام الأمر كقوله تعالى : { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } [ الحج : 29 ] الآية . والمصدر النائب عن فعله كقوله تعالى : { فَضَرْبَ ٱلرِّقَاب } ، أي فاضربوا رقابهم ، وقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُم } أي أوجعتم فيهم قتلاً . فالإثخان هو الإكثار من قتل العدو حتى يضعف ويثقل عن النهوض . وقوله : فشدوا الوثاق ، أي فأسروهم ، والوثاق بالفتح والكسر اسم لما يؤسر به الأسير من قد ونحوه . وما تضمنته هذه الآية الكريمة ، من الأمر بقتل الكفار حتى يثخنهم المسلمون ، ثم بعد ذلك يأسرونهم جاء موضحاً في غير هذا الموضع ، كقوله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْض } [ الأنفال : 67 ] ، الآية ، وقد أمر تعالى بقتلهم في آيات أخر كقوله تعالى : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُم } [ التوبة : 5 ] الآية . وقوله : { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [ الأنفال : 12 ] ، وقوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً } [ التوبة : 36 ] الآية . وقوله : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } [ الأنفال : 57 ] الآية ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } أي فإما تمنون عليهم منا ، أو تفادونهم فداء . ومعلوم أن المصدر إذا سيق لتفصيل وجب حذف عامله ، كما قال في الخلاصة : @ وما لتفصيل كإما منا عامله يحذف حيث عنا @@ ومنه قول الشاعر : @ لأجهدن فإما درء واقعة تخشى وإما بلوغ السؤل والأمل @@ وقال بعض العلماء : هذه الآية منسوخة بالآيات التي ذكرنا قبلها وممن يروى عنه هذا القول ، ابن عباس والسدي وقتادة والضحاك وابن جريج . وذكر ابن جرير عن أبي بكر رضي الله عنه ما يؤيده . ونسخ هذه الآية هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله فإنه لا يجوز عنده المن ولا الفداء ، لأن الآية المنسوخة عنده بل يخير عنده الإمام بين القتل والاسترقاق . ومعلوم أن آيات السيف النازلة في براءة نزلت بعد سورة القتال هذه . وأكثر أهل العلم يقولون : إن الآية ليست منسوخة ، وإن جميع الآيات المذكورة ، محكمة ، فالإمام مخير وله أن يفعل ما رآه مصلحة للمسلمين من من وفداء وقتل واسترقاق . قالوا : قتل النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث أسيرين يوم بدر ، وأخذ فداء غيرهما من الأسارى . ومن على ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة ، وكان يسترق السبي من العرب وغيرهم . وقال الشوكاني في نيل الأوطار : والحاصل أنه قد ثبت في جنس أسارى الكفار جواز القتل والمن والفداء والاسترقاق ، فمن ادعى أن بعض هذه الأمور تختص ببعض الكفار دون بعض لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ناهض يخصص العمومات ، والمجوز قائم فى مقام المنع ، وقول علي وفعله عند بعض المانعين من استرقاق ذكور العرب حجة . وقد استرق بني ناجية ذكورهم وإناثهم وباعهم كما هو مشهور في كتب السير والتواريخ اهـ . محل الغرض منه . ومعلوم أن بني ناجية من العرب . قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : لم يختلف المسلمون في جواز الملك بالرق . ومعلوم أن سببه أسر المسلمين الكفار في الجهاد ، والله تبارك وتعالى في كتابه يعبر عن الملك بالرق بعبارة هي أبلغ العبارات ، في توكيد ثبوت ملك الرقيق ، وهي ملك اليمين لأن ما ملكته يمين الإنسان ، فهو مملوك له تماماً ، وتحت تصرفه تماماً ، كقوله تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ النساء : 3 ] وقوله : { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [ المؤمنون : 5 - 6 ] في سورة { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 1 ] و { سَأَلَ سَآئِلٌ } [ المعارج : 1 ] وقوله : { وَٱلْمُحْصَنَاتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } [ النساء : 24 ] الآية . وقوله : { وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ } [ النور : 33 ] الآية . وقوله : { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } [ النساء : 36 ] . وقوله : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } [ الأحزاب : 52 ] الآية . وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ } [ الأحزاب : 50 ] الآية . وقوله : { أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } [ النور : 31 ] . وقوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ النساء : 25 ] وقوله : { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم } [ النحل : 71 ] . وقوله { هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ } [ الروم : 28 ] الآية ، فالمراد بملك اليمين في جميع هذه الآيات كلها الملك بالرق ، والأحاديث والآيات بمثل ذلك يتعذر حصرها ، وهي معلومة ، فلا ينكر الرق في الإسلام ، إلا مكابر أو ملحد أو من لا يؤمن بكتاب الله ، ولا بسنة رسوله . وقد قدمنا حكمة الملك بالرق وإزالة الإشكال في ملك الرقيق المسلم في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم } [ الإسراء : 9 ] . ومن المعلوم أن كثيراً من أجلاء علماء المسلمين ومحدثيهم الكبار كانوا أرقاء مملوكين ، أو أبناء أرقاء مملوكين . فهذا محمد بن سيرين كان أبوه سيرين عبداً لأنس بن مالك . وهذا مكحول كان عبداً لامرأة من هذيل فأعتقته . ومثل هذا أكثر من أن يحصى كما هو معلوم . واعلم أن ما يدعيه بعض من المتعصبين ، لنفي الرق في الإسلام من أن آية القتال هذه دلت على نفي الرق من أصله ، لأنها أوجبت واحداً من أمرين لا ثالث لهما ، وهما المن والفداء فقط فهو استدلال ساقط من وجهين : أحدهما أن فيه استدلالاً بالآية ، على شيء لم يدخل فيها ، ولم تتناوله أصلا ، والاستدلال إن كان كذلك فسقوطه كما ترى . وإيضاح ذلك أن هذه الآية التي فيها تقسيم حكم الأسارى ، إلى من وفداء ، لم تتناول قطعاً إلا الرجال المقاتلين من الكفار لأن قوله { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } ، وقوله : { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } . صريح في ذلك كما ترى . وعلى إثخان هؤلاء المقاتلينَ رتب بالفاء قوله : { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاق } الآية . فظهر أن الآية لم تتناول أنثى ولا صغيراً ألبتة . ويزيد ذلك إيضاحاً أن النهي عن قتل نساء الكفار وصبيانهم ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثر أهل الرق في أقطار الدنيا إنما هو من النساء والصبيان . ولو كان الذي يدعي نفي الرق من أصله يعترف بأن الآية ، لا يمكن أن يستدل بها على شيء غير الرجال المقاتلين ، لقصر نفي الرق الذي زعمه على الرجال الذين أسروا ، في حال كونهم مقاتلين ، ولو قصره على هؤلاء ، لم يمكنه أن يقول بنفي الرق من أًصله كما ترى . الوجه الثاني : هو ما قدمنا من الأدلة على ثبوت الرق في الإسلام . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } أي إذا لقيتم الكفار فاضربوا أعناقهم { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } قتلاً فأسروهم { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } أي حتى تنتهي الحرب . وأظهر الأقوال في معنى وضع الحرب أوزارها أنه وضع السلاح ، والعرب تسمي السلاح وزراً ، وتطلق العرب الأوزار على آلات الحرب وما يساعد فيها كالخيل ، ومنه قول الأعشى : @ وأعددت للحرب أوزارها رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا @@ وفي معنى أوزار الحرب ، أقوال أخر معروفة تركناها ، لأن هذا أظهرها عندنا . والعلم عند الله تعالى .