Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 52-53)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر في هذه الآية الكريمة أن الذين في قلوبهم مرض ، وهم المنافقون ، يعتذرون عن موالاة الكفّار من اليهود بأنهم يخشون أن تدور عليهم الدوائر ، أي دول الدهر الدائرة من قوم إلى قوم ، كما قال الشاعر @ إذا ما الدهر جر على أناس كلا كله أناخ بآخرينا @@ يعنون إما بقحط فلا يميروننا ، ولا يتفضلوا علينا ، وإما بظفر الكفار بالمسلمين ، فلا يدوم الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، زعماً منهم أنهم عند تقلب الدهر بنحو ما ذكر . يكون لهم أصدقاء كانوا محافظين على صداقتهم ، فينالون منهم ما يؤمل الصديق من صديقه ، وأن المسلمين يتعجّبون من كذبهم في إقسامهم بالله جهد أيمانهم ، إنهم لمع المسلمين وبين في هذه الآية أن تلك الدوائر التي حافظوا من أجلها على صداقة اليهود ، أنها لا تدور إلا على اليهود ، والكفار ، ولا تدور على المسلمين ، بقوله { فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } الآية ، وعسى من الله نافذة ، لأنه الكريم العظيم الذي لا يطمع إلا فيما يعطي . والفتح المذكور قيل هو فتح المسلمين لبلاد المشركين ، وقيل الفتح الحكم ، كقوله { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِين } الأعراف 89 ، وعليه فهو حكم الله بقتل مقاتلة بني قريظة ، وسبي ذراريهم ، وإجلاء بني النضير ، وقيل هو فتح مكة ، وهو راجع إلى الأول . وبيَّن تعالى في موضع آخر أن سبب حلفهم بالكذب للمسلمين ، أنهم منهم ، إنما هو الفرق أي الخوف ، وأنهم لو وجدوا محلاً يستترون فيه عن المسلمين لسارعوا إليه ، لشدة بغضهم للمسلمين ، وهو قوله { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } التوبة 56 - 57 ففي هذه الآية بيان سبب أيمان المنافقين ، ونظيرها قوله { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّة } المجادلة 16 . وبين تعالى في موضع آخر ، أنهم يحلفون تلك الأيمان ليرضى عنهم المؤمنون ، وأنهم إن رضوا عنهم ، فإن الله لا يرضى عنهم ، وهو قوله { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِين } التوبة 96 . وبين في موضع آخر أنهم يريدون بأيمانهم إرضاء المؤمنين ، وإن الله ورسوله أحق بالإرضاء ، وهو قوله { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِين } التوبة 62 . وبين في موضع آخر أنهم يحلفون لهم ليرضوا عنهم ، بسبب أن لهم عذراً صحيحاً ، وأن الله أمرهم بالإعراض عنهم ، لا لأن لهم عذراً صحيحاً ، بل مع الإعلام بأنهم رجس ، ومأوام النار بسبب ما كسبوا من النفاق ، وهو قوله { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون } التوبة 95 . وبيَّن في موضع آخر . أن أيمانهم الكاذبة سبب لإهلاكهم أنفسهم وهو قوله { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُم } التوبة 42 الآية . وهذه الأسباب لحلف المنافقين التي ذكرت في هذه الآيات راجعة جميعاً إلى السبب الأول ، الذي هو الخوف . لأن خوفهم مِن المؤمنين هو سبب رغبتهم في إرضائهم ، وإعراضهم عنهم بأن لا يؤذوهم ، ولذا حلفوا لهم ، ليرضوهم ، وليعرضوا عنهم ، خوفاً من أذاهم ، كما هو ظاهر . تنبيه قوله في هذه الآية الكريمة { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ } فيه ثلاث قراءات سبعيات . الأولى { يقول } بلا واو مع الرفع ، وبها قرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر . الثانية { ويقول } بإثبات الواو مع رفع الفعل أيضاً ، وبها قرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي . الثالثة بإثبات الواو ، ونصب { يقول } عطفاً على { أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْح } المائدة 52 وبها قرأ أبو عمرو .