Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 7-9)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ذَاتِ الْحُبُكِ } فيه للعلماء أقوال متقاربة لا يكذب بعضها بعضاً ، فذهب بعض أهل العلم ، إلى أن الحبك جمع حبيكة أو حباك ، وعليه فالمعنى ذات الحبك أي ذات الطرائق ، فما يبدو على سطح الماء الساكن أو الرمل من الطرائق إذا ضربته الريح هو الحبك ، وهو جمع حبيكة أو حباك ، قالوا : ولبعد السماء لا ترى طرائقها المعبر عنها بالحبك ، ومن هذا المعنى قول زهير : @ مكلل بأصول النجم تنسجه ريح خريق بضاحي مائة حبك @@ وقول الراجز : @ كأنما جللها الحواك طنفسة في وشيها حباك @@ وممن نقل عنه هذا القول الكلبي والضحاك . وقال بعض أهل العلم : ذات الحبك أي ذات الخلق الحسن المحكم ، وممن قال به ابن عباس وعكرمة وقتادة . وهذا الوجه يدل عليه قوله تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتِ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } [ الملك : 3 - 4 ] إلى غير ذلك من الآيات . وعلى هذا القول فالحبك مصدر ، لأن كل عمل أتقنه عامله وأحسن صنعه ، تقول فيه العرب : حبكه حبكاً بالفتح على القياس . والحبك بضمتين بمعناه . وقال بعض العلماء : ذات الحبك : أي الزينة . وممن روي عنه هذا سعيد بن جبير والحسن ، وعلى هذا القول ، فالآية كقوله : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } [ الملك : 5 ] ، وقد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في ق في الكلام على قوله { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا } [ ق : 6 ] الآية . وقال بعض العلماء : ذات الحبك أي ذات الشدة ، وهذا القول يدل له قوله تعالى : { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } [ النبأ : 12 ] . والعرب تسمى شدة الخلق حبكاً ، ومنه قيل للفرس الشديد الخلق : محبوك . ومنه قول امرئ القيس . @ قد غدا يحملني في أنفه لاحق الأطلين محبوك ممر @@ والآية تشمل الجميع ، فكل الأقوال حق والمقسم عليه في هذه الآية هو قوله تعالى { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } [ الذاريات : 8 ] أي إنكم أيها الكفار لفي قول مختلف في شأن النبي صلى الله عليه وسلم وشأن القرآن ، لأن بعضهم يقول : هو شعر ، وبعضهم يقول : سحر ، وبعضهم يقول : كهانة ، وبعضهم يقول : أساطير الأولين ، وقول من قال في قول مختلف أي لأن بعضهم مصدق ، وبعضهم مكذب خلاف التحقيق . ويدل على أن الاختلاف إنما هو بين المكذبين دون المصدقين . قوله تعالى في ق { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ ق : 5 ] أي مختلط . وقال بعضهم : مختلف ، والمعنى واحد . وقوله تعالى : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } [ الذاريات : 9 ] أظهر الأقوال فيه عندي ولا ينبغي العدول عنه في نظري ، أن لفظة عن في الآية سببية كقوله تعالى : { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } [ هود : 53 ] أي بسبب قولك ، ومن أجله ، والضمير المجرور بعن راجع إلى القول المختلف ، والمعنى يؤفك أي يصرف عن الإيمان بالله ورسوله عنه ، أي عن ذلك القول المختلف أي بسببه من أفك أي من سبقت له الشقاوة في الأزل ، فحرم الهدى وأفك عنه ، لأن هذا القول المختلف يكذب بعضه بعضاً ويناقضه . ومن أوضح الأدلة على كذب القول وبطلانه اختلافه وتناقضه كما لا يخفى ، فهذا القول المختلف الذي يحاول كفار مكة أن يصدوا به الناس عن الإسلام ، الذي يقول فيه بعضهم : إن الرسول ساحر ، وبعضهم يقول شاعر ، وبعضهم يققول : كذاب . ظاهر البطلان لتناقضه وتكذيب بعضه لبعض ، فلا يصرف عن الإسلام بسببه إلا من صرف ، أي صرفه الله عن الحق لشقاوته في الأزل فمن لم يكتب عليه في سابق علم الله الشقاوة والكفر لا يصرفه عن الحق قول ظاهر الكذب والبطلان لتناقضه . وهذا المعنى جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى : { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 161 - 163 ] ومعنى هذه الآية أن دين الكفار ، الذي هو الشرك بالله وعبادة الأوثان ، مع حرصهم على صد الناس عن دين الإسلام إليه ما هم بفاتنين ، أي ليسا بمضلين عليه أحداً لظهور فساده وبطلانه إلا من هو صال الجحيم ، أي إلا من قدر الله عليه الشقاوة وأنه من أهل النار في سابق علمه ، هذا هو الظاهر لنا في معنى هذه الآية الكريمة . وأكثر المفسرين على أن الضمير في قوله : { يُؤْفَكُ عَنْهُ } راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو القرآن ، أي يصرف عن الإيمان بالنبي أو القرآن ، من أفك أي صرف عن الحق ، وحرم الهدي لشدة ظهور الحق في صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن القرآن منزل من الله ، وهذا خلاف ظاهر السياق كما ترى . وقول من قال : يؤفك عنه . أي يصرف عن القول المختلف الباطل من أفك ، أي من صرف عن الباطل إلى الحق لا يخفى بعده وسقوطه . والذين قالوا : هذا القول يزعمون أن الإفك يطلق على الصرف عن الحق إلى الباطل ، وعن الباطل إلى الحق ، ويبعد هذا أن القرآن لم يرد فيه الإفك مراد به إلا الصرف عن الخير إلى الشر دون عكسه .