Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 45-46)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه خلق الزوجين أي النوعين الذكر والأنثى من نطفة ، وهي نطفة المني إذا تمنى أي تصب وتراق في الرحم ، على أصح القولين . ويدل قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } [ الواقعة : 58 - 59 ] وقوله تعالى : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } [ القيامة : 37 ] . والعرب تقول : أمنى الرجل ومني إذا أراق المني وصبه . وقال بعض العلماء : { مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } أي تقدر بأن يكون الله قدر أن ينشأ منها حمل ، ومن قول العرب : منى الماني إذا قدر . ومن هذا المعنى قول أبي قلابة الهذلي ، وقيل سويد بن عامر المصطلقي : @ لا تأمن الموت في حل وفي حرم إن المنايا توافي كل إنسان واسلك سبيلك فيها غير محتشم حتى تلاقي ما يمني لك الماني @@ وقد قدمنا الكلام على النطفة مستوفىً من جهات في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ } [ النحل : 4 ] الآية . وفي سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ } [ الحج : 5 ] ، وفي كل من الموضعين زيادة ليست في الآخر . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من الاستدلال بخلق النوعين ، أعني الذكر والأنثى من النطفة جاء موضحاً في غير هذا الموضع ، وأنه يستدل به على أمرين : هما قدرة الله على البعث ، وأنه ما خلق الإنسان إلا ليكلفه ويجازيه ، وقد جمع الأمرين قوله تعالى : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } [ القيامة : 36 - 40 ] فذكر دلالة ذلك على البعث في قوله : { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } ، وذكر أنه ما خلقه ليهمله من التكليف والجزاء ، منكراً على من ظن ذلك بقوله : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } أي مهملاً من التكليف والجزاء . وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } [ الفرقان : 54 ] .