Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 71-73)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱلَّتِي تُورُونَ } أي توقدونها من قولهم : أورى النار إذا قدحها وأوقدها ، والمعنى : أفرأيتم النار التي توقدونها من الشجر أأنتم أنشأتم شجرتها التي توقد منها ، أي أوجدتموها من العدم ؟ والجواب الذي لا جواب غيره : أنت يا ربنا هو الذي أنشأت شجرتها ، ونحن لا قدرة لنا بذلك فيقال : كيف تنكرون البعث وأنتم تعلمون أن من أنشأ شجرة النار وأخرجها منها قادر على كل شيء ؟ وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون خلق النار من أدلة البعث ، وجاء موضحاً في يس في قوله تعالى { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } [ يس : 79 - 80 ] فقوله في آخر يس { تُوقِدُونَ } هو معنى قوله في الواقعة : { تُورُونَ } وقوله في آية يس { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً } بعد قول { يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } دليل واضح على أن خلق النار من أدلة البعث ، وقوله هنا { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ } أي الشجرة التي توقد منها كالمرخ والعفار ، ومن أمثال العرب في كل شجر نار ، واستنجد المرخ والعفار ، لأن المرخ والعفار هما أكثر الشجر نصيباً في استخراج النار منهما ، يأخذون قضيباً من المرخ ويحكمون به عوداً من العفار فتخرج من بينهما النار ، ويقال كل شجر فيه نار إلا العناب . وقوله : { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرةً } أي نذكر الناس بها في دار الدنيا إذا أحسوا شدة حرارتها . نار الآخرة التي هي أشد منها حراً لينزجروا عن الأعمال المقتضية لدخول النار ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم : أن حرارة نار الآخرة مضاعفة على حرارة نار الدنيا سبعين مرة . فهي تفوقها بتسع وستين ضعفاً كل واحد منها مثل حرارة نار الدنيا . وقوله تعالى { وَمَتَاعاً لِّلْمُقْويِنَ } أي منفعة للنازلين بالقواء من الأرض ، وهو الخلاء والفلاة التي ليس بها أحد ، وهم المسافرون ، لأنهم ينتفعون بالنار انتفاعاً عظيماً في الاستدفاء بها والاستضاءة وإصلاح الزاد . وقد تقرر في الأصول أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة كون اللفظ وارداً للامتنان . وبه تعلم أنه لا يعتبر مفهوماً للموقين ، لأنه جيء به للامتنان أي وهو متاع أيضاً لغير المقوين من الحاضرين بالعمران ، وكل شيء خلا من الناس يقال له أقوى ، فالرجل إذا كان في الخلا قيل له : أقوى . والدار إذا خلت من أهلها قيل لها أقوت . ومنه قول نابغة ذبيان : @ يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأبد @@ وقول عنترة : @ حيث من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أم الهيثم @@ وقيل للمقوين : أي للجائعين ، وقيل غير ذلك ، والذي عليه الجمهور هو ما ذكرنا .