Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 1-1)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرة الدراسة : الخطاب للنَّبي صلى الله عليه وسلم ، والمنافقون جمع منافق وهو من يظهر الإيمان ويسر الكفر . قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، أي قالوا ذلك نفاقاً وخوفاً ، ولم يقولوه خالصاً من قلوبهم . ولذا قال الله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون } ، وإنما شهد عليهم بالكذب مع أن ظاهر قولهم حق لأن بواطنهم تكذب ظواهرهم لأن الأعمال بالنيات ، وإنما كسر همزة إن في المواضع الثلاثة ، لأنها بعد فعل معلق باللام ، ولولا ذلك لفتحت ، لأنها في محل المصدر . ولأبي حيان قول حسن في ذلك إذ قال : إن قولهم : نشهد يجري مجرى اليمين . ولذلك تلقى بما يتلقى به القسم ، وكذا فعل اليقين . والعلم يجري مجرى القسم بقوله : { إِنََّ لَرَسَولُ اللَّهِ } أعني بقصد التوكيد بإن واللام ، ثم قال : وأصل الشهادة أن يواطئ اللسان القلب ، وهذا بالنطق وذلك بالاعتقاد فأكذبهم الله : وفضحهم بقوله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُون } . أي لم تواطئ قلوبهم ألسنتهم على تصديقك ، واعتقادهم أنك غير رسول ، فهم كاذبون عند الله وعند من عرف حالهم ، أو كاذبون عند أنفسهم ، إذ أنهم يعتقدون أن قولهم : { إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } كذب . وجاء قوله تعالى : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } بين شهادتهم وتكذيبهم إيذاناً بأن الأمر كما قالوا على حد قوله تعالى : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } [ الفتح : 28 - 29 ] . تنبيه في هذه الآية مبحث بلاغي في تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء فقولوا : الخبر ما احتمل الصدق والكذب لذاته ، فذهب الجمهور إلى أنه ينحصر فيهما بلا واسطة ، والمخبر إما صادق وإما كاذب . وهذا بناء على مطابقة الخبر للواقع أو عدم مطابقته ولا علاقة له بالاعتقاد . قال السعد في التلخيص ، وقال بعض الناس : صدق الخبر وكذبه مطابقته لاعتقاد المخبر لا للواقع . واستدلوا لذلك بأن عدم مطابقته للواقع يكون من قبيل الخطأ لا من قبيل الكذب . ولحديث عائشة رضي الله عنهما عن ابن عمر : " ما كذب ولكنه وهم " ، وهذا مذهب الجاحظ وهو صدق الخبر مطابقته للواقع مع اعتقاد المخبر مستدلاً بالآية { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } مع قولهم : { إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } . فكذبهم الله مع أن خبرهم مطابق للواقع ، لكنهم لم يعتقدوا ما قالوا فكذبهم الله لذلك . ومقتضى مذهب الجاحظ القول بوجود واسطة بين الصدق والكذب ، وهي عدم اعتقاد المخبر لما أخبر به ، ولو طابق الواقع ، ولكن ما قدمناه من كلام أبي حيان يرد هذا المذهب ويبطل استدلال الجاحظ ومن وافقه بالآية ، لأن تكذيب الله إياهم منصب على قوم قالوا نشهد ، والشهادة أخص من الخبر ، ولأنهم ضمنوا شهادتهم التأكيد المشعر بالقسم والموحي بمطابقة القول لما في القلب ولا سيّما في هذا المقام ، وهو مقام الإيمان والتصديق ، فأكذبهم الله في كون إخبارهم بصورة الشهادة والحال أنهم لم يأتوا بالشهادة على وجهها وهو عدم مطابقتها لاعتقادهم . والقرآن ينفي وجود واسطة بين الصدق والكذب كما في قوله تعالى : { فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } [ يونس : 32 ] . أما فقه اليمين وما تنعقد به وأحكامها ، فقد تقدم للشّيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه هذا المبحث مستوفى في سورة المائدة عند قوله تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } [ المائدة : 89 ] الآية . وذكر في معنى لغو اليمين عند العلماء قولين : الثاني منهما : هو أن يحلف على ما يعتقده فيظهر خلافه وعزا لمالك ، وأنه مروي عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس في أحد قوليه ، وساق أسماء كثيرين ، ولا يبعد أن يقال : ينبغي أن نفرق بين الحد اللغوي عند البلاغيين ، والحد الشرعي حيث يقبل شرعاً ما كان مبناه على غلبة الظن عند المتكلم ، لأنه حد علمه ولعدم المؤاخذة في الشرع في مثل ذلك والله أعلم .