Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 2-2)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } . قرئ أيمانهم بفتح الهمزة جمع يمين ، وقرئ بكسرها من الإيمان ضد الكفر ، أي ما أظهروه من أمور الإسلام . ومما تقدم أن من أنواع البيان إذا كان في الآية قراءتان ، وفيهما ما يرجح إحداهما ، وتقدم كلام أبي حيان تخريجه على اليمين . وللشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرة التدريس قوله : الإيمان جمع يمين وهي الحلف والجنة الترس ، وهو المجن الذي تتقي به السيوف والنِّبال والسِّهام في الحرب ، والمعنى أن المنافقين إذا ظهر شيء من نفاقهم أو سمعت عنهم كلمة كفر ، حلفوا بالله أنهم ما قالوا ذلك وما فعلوه ، فيجعلون حلفهم ترساً يقيهم من مؤاخذة النَّبي صلى الله عليه وسلم بذنبهم . كما قال تعالى : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } [ التوبة : 74 ] الآية . وقال : { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ } [ التوبة : 56 ] الآية . وقال : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } [ التوبة : 62 ] الآية . ونحو ذلك ، فهذه نصوص تدل على أنهم يحلفون أيماناً على إيمانهم . ومن جهة المعنى : أن أيمانهم وحلفهم منصب على دعوى إيمانهم ، فلا انفكاك بين اليمين والإيمان ، لأنهم يحلفون أنهم مؤمنون ، واليمين أخص من الإيمان ، وحمله على الأخص يقتضي وجود الأعم ، فاحلف على الأيمان يستلزم دعوى الإيمان وزيادة ، ومجرد دعوى الإيمان لا يستلزم التأكيد بالإقسام والحلف . قوله تعالى : { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّه } . قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه : أي بسبب اتخاذهم أيمانهم جنة وخفاء كفرهم الباطن ، تمكنوا من صدَّ بعض الناس عن سبيل الله ، لأن المسلمين يظنونهم إخواناً وهم أعداء . وشر الأعداء من تظن أنه صديق ولذا حذر الله نبيه منهم بقوله : { هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ } [ المنافقون : 4 ] وصدهم الناس عن سبيل الله كتعويقهم عن الجهاد . كما بينه بقوله : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } [ الأحزاب : 18 ] الآية . وبقوله : { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } [ التوبة : 81 ] الآية . وقوله : { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } [ آل عمران : 168 ] الآية . قوله تعالى : { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون } . قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه : ساء فعل جامد لإنشاء الذم بمعنى بئس اهـ . وقد بين تعالى تلك الإساءة من المنافقين في عدة جهات منها قوله تعالى : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا } [ البقرة : 9 ] . وقوله : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] . وكان خداعهم بالقول وبالفعل ، وخداعهم بالقول في قولهم عنهم : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [ الفتح : 11 ] . وخداعهم في الفعل في قوله عنهم : { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ } [ النساء : 142 ] . وفي الجهاد قولهم : { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } [ الأحزاب : 13 ] .