Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 67, Ayat: 5-5)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان زينة السماء بالمصابيح ، وجعلها رجوماً للشياطين بياناً كاملاً عند قوله تعالى : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } [ الحجر : 16 - 18 ] . وقد ذكر طرفاً من هذا البحث في سورة الفرقان لا بد من ضمه إلى هذا المبحث هناك لارتباط بعضها ببعض . تنبيه فقد ظهرت تلك المخترعات الحديثة ونادى أصحاب النظريات الجديدة والناس ينقسمون إلى قسمين : قسم يبادر بالإنكار وآخر يسارع للتصديق ، وقد يستدل كل من الفريقين بنصوص من القرآن أو السنة ، ولعل من الأولى أن يقال : إن النظريات الحديثة قسمان : نظرية تتعارض مع صريح القرآن ، فهذه مردودة بلا نزاع كنظريه ثبوت الشمس مع قوله تعالى : { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [ يسۤ : 38 ] . ونظرية لا تتعارض مع نص القرآن ولم ينص عليها ، وليس عندنا من وسائل العلم ما يؤيدها ولا يرفضها . فالأولى أن يكون موقفنا موقف التثبت ولا نبادر بحكم قاطع إيجاباً أو نفياً ، وذلك أخذاً من قضية الهدهد وسبأ مع نبي الله سليمان لما جاء يخبرهم . وكان عليه السلام لم يعلم عنهم شيئاً فلم يكذب الخبر بكونه من الهدهد ولم يصدقه لأنه لم يعلم عنهم سابقاً ، مع أنه وصف حالهم وصفاً دقيقاً . وكان موقفه عليه السلام موقف التثبت مع ما لديه من إمكانيات الكشف والتحقيق من الريح والطير والجن ، فقال للمخبر وهو الهدهد : سننظر ، أصدقت أم كنت من الكاذبين . ونحن في هذه الآونة لسنا أشد إمكانيات من نبي الله سليمان آنذاك ، وليس المخبرون عن مثل هذه النظريات أقل من الهدهد . فليكن موقفنا على الأقل موقف من سينظرأيصدق الخبر أم يظهر كذبه ؟ والغرض من هذا التنبيه هو ألا نحمل لفظ القرآن فيما هو ليس صريحاً فيه ما لا يحتمله ، ثم يظهر كذب النظرية أو صدقها ، فنجعل القرآن في معرض المقارنة مع النظريات الحديثة ، والقرآن فوق ذلك كله { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] . قوله تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا } . فالدنيا تأنيث الأدنى أي السماء الموالية للأرض ، ومفهومه أن بقية السماوات ليست فيها مصابيح التي هي النجوم والكواكب كما قال : { بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } [ الصافات : 6 ] ويدل لهذا المفهوم ما جاء به عن قتادة : أن الله جعل النجوم لثلاثة أمور . أمران هنا ، وهما زينة السماء الدنيا ورجوماً للشياطين . والثالثة علامات واهتداء في البر والبحر ، وهذه الأمور الثلاثة تتعلق بالسماء الدنيا . لأن الشياطين لا تنفذ إلى السماوات الأخرى لأنها أجرام محفوظة ، كما في حديث الإسراء " لها أبواب وتطرق ولا يدخل منها إلا بإذن " وكقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ } [ الأعراف : 40 ] . وكذلك ليس هناك من يحتاج إلى اهتداء بها في سيره لأن الملائكة كل في وضعه الذي أوجده الله عليه لأن الزينة لن ترى لوجود جرم السماء الدنيا ، فثبت أن النجوم خاصة بالسماء الدنيا . وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } [ الصافات : 6 - 7 ] . ومفهونم الدنيا عدم وجودها فيما بعدها ، ولا وجود للشيطان في غير السماء الدنيا . وقوله تعالى : { وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } ، وهي الشهب من النار ، والشهب النار ، كما في قوله : { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [ النمل : 7 ] ، والرجوم والشهب هي التي ترمي بها الشياطين عند استراق السمع ، كما في قوله تعالى : { فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [ الجن : 9 ] . وقوله : { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [ الصافات : 10 ] . وهنا سؤال ، وهو إذا كان الجن من نار ، كما في قوله : { وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } [ الرحمن : 15 ] ، فكيف تحرقه النار ؟ فأجاب عنه الفخر الرازي بقوله : إن النار يكون بعضها أقوى من بعض ، فالأقوى يؤثر على الأضعف ، ومما يشهد لما ذهب إليه قوله تعالى بعده { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } والسعير : أشد النار . ومعلوم أن النار طبقات بعضها أشد من بعض ، وهذا أمر ملموس ، فقد تكون الآلة مصنوعة من حديد وتسلط عليها آلة من حديد أيضاً ، أقوى منها فتكسرها . كما قيل : لا يغل الحديد إلا الحديد ، فلا يمنع كون أصله من نار ألا يتعذب بالنار ، كما أن أصل الإنسان من طين من حمإٍ مسنون ، ومن صلصال كالفخَّار ، وبعد خلقه فإنه لا يحتمل التعذيب بالصلصال ولا بالفخار ، فقد يقضي عليه بضربة من قطعة من فخَّار ، والعلم عند الله تعالى .