Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 1-4)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بين تعالى المراد من المقدار المطلوب قيامه بما جاء بعده { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } [ المزمل : 3 ] أي من نصفه أو زد عليه أي على نصفه ، وفي هذه الآية الكريمة وما بعدها بيان لمجمل قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } [ الإسراء : 79 ] الآية . وفيها بيان لكيفية القيام ، وهو بترتيل القرآن ، وفيها رد على مسألتين اختلف فيهما . الأولى منهما : عدد ركعات قيام الليل ، أهو ثماني ركعات أو أكثر ؟ وقد خير صلى الله عليه وسلم بين هذه الأزمنة من الليل ، فترك ذلك لنشاطه واستعداده وارتياحه . فلا يمكن التعبد بعدد لا يصح دونه ولا يجوز تعديه ، واختلف في قيام رمضان خاصة ، والأولى أن يؤخذ بما ارتضاه السلف ، وقد قدمنا في هذه المسألة رسالة عامة هي رسالة التراويح أكثر من ألف عام في مسجد النَّبي عليه السلام ، وقد استقر العمل على عشرين في رمضان . والمسألة الثانية : ما يذكره الفقهاء في كيفية قيام الليل عامة هل الأفضل كثرة الركعات لكثرة الركوع والسجود ، وحيث إن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ، أم طول القيام للقراءة ؟ حيث إن للقارئ بكل حرف عشر حسنات ، فهنا قوله تعالى : { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [ المزمل : 4 ] نص على أن العبرة بترتيل القرآن ترتيلاً ، وأكد بالمصدر تأكيداً لإرادة هذا المعنى كما قال ابن مسعود : " لا تنثروه نثر الرمل ، ولا تهذوه هذا الشِّعر ؟ قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة " وقد بينت أم سلمة رضي الله عنها تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها : كان يقطع قراءته آية آية { بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ الفاتحة : 1 - 4 ] رواه أحمد . وفي الصحيح عن أنس : سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كنت مداً ثم قرأ { بسم الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـم } يمد بسم الله ويمد الرحمن ، ويمد الرحيم . تنبيه إن للمد حدوداً معلومة في التجويد حسب تلقي القراء رحمهم الله ، فما زاد عنها فهو تلاعب ، وما قلّ عنها فهو تقصير في حق التلاوة . ومن هذا يعلم أن المتخذين القرآن كغيره في طريقة الأداء من تمطيط وتزيد لم يراعوا معنى هذه الآية الكريمة ، ولا يمنع ذلك تحسين الصوت بالقراءة ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم " زينوا القرآن بأصواتكم " . وقال أبو موسى رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كنت أعلم أنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيراً . وهذا الوصف هو الذي يتأتى منه الغرض من التلاوة ، وهو التدبر والتأمل ، كما في قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ } [ النساء : 82 ] ، كما أنه هو الوصف الذي يتأَتى معه الغرض من تخشع القلب كما في قوله تعالى : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 23 ] ، ولا تتأثر به القلوب والجلود إلا إذا كان مرتلاً ، فإذا كان كالشعر أو الكلام العادي لما فهم ، وإذا كان مطرباً كالأغاني لما أثر . فوجب الترتيل كما بين صلى الله عليه وسلم .