Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 64-64)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال بعض العلماء إن قوله { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ } في محل رفع بالعطف على اسم الجلالة ، أي حسبك الله ، وحسبك أيضاً من اتبعك من المؤمنين . وممن قال بهذا . والحسن ، واختاره النحاس وغيره ، كما نقله القرطبي ، وقال بعض العلماء هو في محل خفض بالعطف على الضمير الذي هو الكاف في قوله { حَسْبُكَ } وعليه ، فالمعنى حسبك الله أي كافيك وكافي من اتبعك من المؤمنين ، وبهذا قال الشعبي ، وابن زيد وغيرهما ، وصدر به صاحب الكشاف ، واقتصر عليه ابن كثير وغيره ، والآيات القرآنية تدل على تعيين الوجه الأخير ، وأن المعنى كافيك الله ، وكافي من اتبعك من المؤمنين لدلالة الاستقراء في القرآن على أن الحسب والكفاية لله وحده ، كقوله تعالى { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } التوبة 59 ، فجعل الإيتاء لله ورسوله ، كما قال { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ } الحشر 7 ، وجعل الحسب له وحده ، فلم يقل وقالوا حسبنا الله ورسوله ، بل جعل الحسب مختصاً به وقال { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } الزمر 36 ؟ فخص الكفاية التي هي الحسب به وحده ، وتمدح تعالى بذلك في قوله { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } الطلاق 3 ، وقال تعالى { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } الأنفال 62 ففرق بين الحسب والتأييد ، فجعل الحسب له وحده ، وجعل التأييد له بنصره وبعباده . وقد أثنى سبحانه وتعالى على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث افردوه بالحسب ، فقال تعالى { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } آل عمران 173 وقال تعالى { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ } التوبة 129 الآية . إلى غير ذلك من الآيات ، فإن قيل هذا الوجه الذي دل عليه القرآن ، فيه أن العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض ، ضعفه غير واحد من علماء العربية ، قال ابن مالك في الخلاصة @ وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازماً قد جعلا @@ فالجواب من أربعة أوجه الأول أن جماعة من علماء العربية صححوا جواز العطف من غير إعادة الخافض ، قال ابن مالك في الخلاصة @ وليس عندي لازماً إذ قد أتى في النظم والنثر الصحيح مثبتا @@ وقد قدمنا في " سورة النساء " في الكلام على قوله { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ } النساء 127 شواهده العربية ، ودلالة قراءة حمزة عليه ، في قوله تعالى { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ } النساء 1 . الوجه الثاني أنه من العطف على المحل ، لأن الكاف مخفوض في محل نصب ، إذ معنى { حَسْبُكَ } يكفيك ، قال في الخلاصة @ وجر ما يتبع ما جر ومن راعى في الاتباع المحل فحسن @@ الوجه الثالث نصبه بكونه مفعولاً معه ، على تقدير ضعف وجه العطف ، كما قال في الخلاصة @ والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق والنصب مختار لدى ضعف النسق @@ الوجه الرابع أن يكون { وَمَن } مبتدأ خبره محذوف ، أي { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فحسبهم الله أيضاً ، فيكون من عطف الجملة ، والعلم عند الله تعالى .