Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 75-75)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } . لم يعين تعالى في هذه الآية الكريمة المراد بأولي الأرحام . واختلف العلماء في هذه الآية ، هل جاء في القرآن ما يبين المراد منها أو لا . فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنها بينتها آيات المواريث . كما قدمنا نظيره في قوله { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } النساء 7 . قالوا فلا إرث لأحد من أولي الأرحام غير من عينت لهم حقوقهم في آيات المواريث . وممن قال بهذا زيد بن ثابت ، ومالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، وأبو ثور ، وداود ، وابن جرير وغيرهم . وقالوا الباقي عن نصيب الورثة المنصوص على إرثهم لبيت مال المسلمين ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث " رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن ماجه ، والدارقطني ، والبيهقي ، من حديث عمرو بن خارجة رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم . ورواه أيضاً الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه من حديث أبن أمامة رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، وحسنه الترمذي وابن حجر ، ولا يضعف بأن في إسناده إسماعيل بن عياش ، لما قدمنا مراراً أن روايته عن الشاميين قوية ، وشيخه في حديث أبي أمامة هذا شرحبيل بن مسلم ، وهو شامي ثقة ، وقد صرح في روايته بالتحديث . وقال فيه ابن حجر في التقريب صدوق فيه لين ، فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي صححه الترمذي ، من رواية عمرو بن خارجة ، وحسنه الترمذي ، وابن حجر من رواية أبي أمامة " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه " يدل بعمومه على أنه لم يبق في التركة حق لغير من عينت لهم أنصباؤهم في آيات المواريث . وقد قال بعض أهل هذا القول المراد بذوي الأرحام العصبة خاصة ، قالوا ومنه قول العرب وصلتك رحم ، يعنون قرابة الأب دون قرابة الأم ، ومنه قول قتيلة بنت الحارث ، أو بنت النضر بن الحارث @ ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحام هناك تشقق @@ فأطلقت الأرحم على قرابة بني أبيه ، والأظهر على القول بعدم التوريث ، أن المراد بذوي الأرحام القرباء ، الذين بينت حقوقهم بالنص مطلقاً . واحتج أيضاً من قال لا يرث ذوو الأرحام بما روي عن عطاء بن يسار . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير في ميراث العمة والخالة فأنزل عليه " لا ميراث لهما " أخرجه أبو داود ، في المراسيل والدارقطني ، والبيهقي ، من ريق زيد بن أسلم ، عن عطاء ، مرسلاً ، وأخرجه النسائي في سننه ، وعبد الرزاق ، و ابن أبي شيبة ، من مرسل زيد بن أسلم ، ليس فيه ذكر عطاء ، ورد المخالف هذا بأنه مرسل . وأجيب بأن مشهور مذهب مالك ، وأبي حنيفة ، وأحمد . الاحتجاج بالمرسل ، وبأنه رواه البيهقي ، والحاكم ، والطبراني ، موصولاً من حديث أبي سعيد ، وما ذكره البيهقي من وصله من طريقين . إحداهما من رواية ضرار بن صرد أبي نعيم . والثانية من رواية شريك بن أبي نمر ، عن الحارث بن عبد ، مرفوعاً . وقال محشيه ، صاحب الجوهر النقي في ضرار المذكور إنه متروك . وعزا ذلك للنسائي ، وعزا تكذيبه ليحيى بن معين . وقال في ابن أبي نمر فيه كلام يسير . وفي الحارث بن عبد أنه لا يعرفه ، ولا ذكر له إلا عند الحاكم في المستدرك في هذا الحديث . قال مقيده - عفا الله عنه - ما ذكره من أن ضرار بن صرد متروك غير صحيح . لأنه صدوق له بعض أوهام لا توجب تركه . وقال فيه ابن حجر في التقريب صدوق له أوهام وخطأ ، ورمي بالتشنيع ، وكان عارفاً بالفرائض . وأما ابن أبي نمر فهو من رجال البخاري ، ومسلم . وأما إسناد الحاكم فقال فيه الشوكاني ، في نيل الأوطار إنه ضعيف وقال في إسناد الطبراني فيه محمد بن الحارث المخزومي . قلت قال فيه ابن حجر في التقريب مقبول ، وقال الشوكاني أيضاً ، قالوا وصله - أيضاً - الطبراني من حديث أبي هريرة . ويجاب بأنه ضعفه بمسعدة بن اليسع الباهلي . قالوا وصله الحاكم أيضاً من حديث ابن عمر ، وصححه . ويجاب بأن في إسناده عبد الله بن جعفر المدني ، وهو ضعيف . قالوا روى له الحاكم شاهداً من حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن الحارث بن عبد ، مرفوعاً . ويجاب بأن في إسناده سليمان بن داود الشاذكوني ، وهو متروك . قالوا أخرجه الدارقطني من وجه آخر عن شريك . ويجاب بأنه مرسل . اهـ . قال مقيده - عفا الله عنه - وهذه الطرق الموصولة والمرسلة يشد بعضها بعضاً ، فيصلح مجموعها للاحتجاج ، ولا سيما أن منها ما صححه بعض العلماء ، كالطريق التي صححها الحاكم ، وتضعيفها بعبد الله بن جعفر المدني فيه أنه من رجال مسلم ، وأخرج له البخاري تعليقاً ، وقال فيه ابن حجر في التقريب ليس به بأس . اهـ . واحتجوا أيضاً بما رواه مالك في الموطأ ، والبيهقي ، عن محمد بن أبي بكر بن حزم ، عن عبد الرحمن ابن حنظلة الزرقي أنه أخبره عن مولى لقريش كان قديماً يقال له ابن موسى ، أنه قال كنت جالساً عند عمر بن الخطاب ، فلما صلى الظهر ، قال " يا يرفأ " هلم ذلك الكتاب لكتاب كتبه في شأن العمة ، فنسأل عنها ، ونستخبر عنها فأتاه به " يرفأ " فدعا بتور أو قدح فيه ماء ، فمحا ذلك الكتاب فيه ، ثم قال لو رَضِيَكِ الله وَارِثَةً أَقرَّكِ ، لَوْ رَضِيَكِ الله أَقَرَّكِ . وقال مالك في الموطأ عن محمد بن أبي بكر بن حزم أنه سمع أباه كثيراً يقول كان عمر بن الخطاب يقول عجباً للعمة ترث ولا تورث ، والجميع فيه مقال ، وقال جماعة من أهل العلم لا بيان للآية من القرآن ، بل هي باقية على عمومها ، فأوجبوا الميراث لذوي الأرحام . وضابطهم أنهم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب . وهم أحد عشر حيزاً 1 - أولاد البنات . 2 - وأولاد الأخوات . 3 - وبنات الإخوة . 4 - وأولاد الأخوة من الأم . 5 - والعمات من جميع الجهات . 6 - والعم من الأم . 7 - والأخوال . 8 - والخالات . 9 - وبنات الأعمام . 10 - والجد أبو الأم . 11 - وكل جدة أدلت بأب بين أمين ، أو بأب أعلى من الجد . فهؤلاء ، ومن أدلى لهم يسمون ذوي الأرحام . وممن قال بتوريثهم . إذا لم يوجد وارث بفرض أو تعصيب - إلا الزوج والزوجة - الإمام أحمد . ويروى هذا القول ، عن عمر ، وعلي ، وعبد الله ، وأبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وأبي الدرداء - رضي الله عنهم - وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز ، وعطاء ، وطاوس ، وعلقمة ، ومسروق ، وأهل الكوفة ، وغيرهم . نقله ابن قدامة في المغني ، واحتجوا بعموم قوله تعالى { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } الآية ، وعموم قوله تعالى { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ } النساء 7 الآية ، ومن السنة بحديث المقدام بن معد يكرب ، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال " من ترك مالاً فلورثته ، وأنا وارث من لا وارث له ، أعقل عنه . وأرث ، والخال وارث من لا وارث له ، يعقل عنه ويرثه " أخرجه الإمام أحمد وأبو داود ، والنسائي وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم وصححاه ، وحسنه أبو زرعة الرازي ، وأعله البيهقي بالاضطراب ، ونقل عن يحيى بن معين ، أنه كان يقول ليس فيه حديث قوي ، قاله في نيل الأوطار . واحتجوا أيضاً بما رواه أبو أمامة بن سهل ، أن رجلاً رمى رجلاً بسهم فقتله ، وليس له وارث إلا خال ، فكتب في ذلك ابو عبيدة بن الجراح إلى عمر ، فكتب إليه عمر إن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال " الله ورسوله مولى من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له " رواه أحمد ، و ابن ماجه ، وروى الترمذي المرفوع منه ، وقال حديث حسن . قال الشَّوكاني - رحمه الله - وفي الباب عن عائشة عند الترمذي والنسائي ، والدارقطني ، من رواية طاوس ، عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الخال وارث من لا وارث له " قال الترمذي حسن غريب ، وأعله النَّسائي بالاضطراب ، ورجح الدَّارقطني ، والبيهقي ، وقفه . قال التّرمذي وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عائشة . وقال البزار أحسن إسناد فيه حديث أبي أُمامة بن سهل ، وأخرجه عبد الرزاق ، عن رجل من أهل المدينة ، والعقيلي وابن عساكر ، عن أبي الدرداء ، وابن النجار ، عن أبي هريرة ، كلها مرفوعة . اهـ . قال الترمذي وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام ، واحتجوا أيضاً بما رواه أبو داود ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها وفيه ابن لهيعة . قال مقيده - عفا الله عنه - أظهر الأقوال دليلاً عندي ، أن الخال يرث من لا وارث له ، دون غيره من ذوي الأرحام ، لثبوت ذلك فيه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بالحديثين المذكورين دون غيره ، لأن الميراث لا يثبت إلا بدليل ، وعموم الآيتين المذكورتين لا ينهض دليلاً . لقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه " كما تقدم . فإذا علمت أقوال العلماء ، وحججهم في إرث ذوي الأرحام وعدمه ، فاعلم أن القائلين بالتوريث اختلفوا في كيفيته ، فذهب المعروفون منه بأهل التنزيل ، إلى تنزيل كل واحد منهم منزلة من يدلى به من الورثة ، فيجعل له نصيبه ، فإن بعدوا نزلوا درجة درجة ، إلى أن يصلوا من يدلون به ، فيأخذون ميراثه ، فإن كان واحداً . أخذ المال كله ، وإن كانوا جماعة ، قسم المال بين من يدلون به ، فما حصل لكل وارث جعل لمن يدلى به ، فإن بقي من سهام المسألة شيء ، رد عليهم على قدر سهامهم . وهذا ، هو مذهب الإمام أحمد ، وهو قول علقمة ، ومسروق ، والشعبي ، والنخعي ، وحماد ، ونعيم ، وشريك ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، وغيرهم كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني . وقال أيضاً قد روي عن علي ، وعبد الله - رضي الله عنهما - أنهما نزلا بنت البنت منزلة البنت ، وبنت الأخ منزلة الأخ ، وبنت الأخت منزلة الأخت ، والعمة منزلة الأب ، والخالة منزلة الأم ، وروي ذلك عن عمر - رضي الله عنه - في العمة ، والخالة . وعن علي أيضاً أنه نزل العمة منزلة العم ، وروي ذلك عن علقمة ، ومسروق ، وهي الرواية الثانية عن أحمد ، وعن الثوري وأبي عبيد أنهما نزلاها منزلة الجد مع ولد الأخوة والأخوات ، ونزلها آخرون منزلة الجدة . وإنما صار هذا الخلاف في العمة لأنها أدلت بأربع جهات وارثات فالأب والعم أخواها ، والجد والجدة أبواها ، ونزل قوم الخالة منزلة جدة لأن الجدة أمها ، والصحيح من ذلك تنزيل العمة أباً ، والخالة أماً . اهـ . من المغني . وذهبت جماعة أخرى ممن قال بالتوريث - منهم أبو حنيفة ، وأصحابه - إلى أنهم يورثون على ترتيب العصبات ، فقالوا يقدم أولاد الميت وإن سفلوا ، ثم أولاد أبويه أو أحدهما وإن سفلوا ، ثم أولاد أبوي أبويه وإن سفلوا ، وهكذا ابداً لا يرث بنو أب أعلى وهناك بنو أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم . وعن أبي حنيفة أنه جعل أبا الأم - وإن علا - أولى من ولد البنات ، ويسمى مذهب هؤلاء مذهب أهل القرابة .