Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 11-22)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معلوم أن كلمة : كلا : ردع عمَّا سبق ، وهو في جملته منصب على التصدي لمن استغنى ؟ الإلحاح عليهم والحرص على سماعهم منه ، ولكن الله تعالى يقول : إن منزلة القرآن والوحي والدين أعلى منزلة من أن تبذل لقوم هذه حالتهم فهي على ما هي عليه من تكريم ورفعة وطهرة وصيانة ، وما عليها من حفظة سفرة كرام بررة أحرى بأن يسعى إليها ، والخير لمن أتاها يطلبها . { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } ، وهذا للتهديد لا للتخيير بدليل ما بعده { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } [ عبس : 17 ] ، قتل الإنسان : دعاء عليه ، والإنسان : للجنس الكافر ، وما أكفره : أي ما أشد كفره بها ، بعد هذا كله من علو منزلتها . وقوله تعالى : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } قيل : ما أكفره هنا ، ما أفعله أي ما أشد كفره . وقال الزمخشري : هي تعجب من أفراطه في كفران نعم الله . وقيل : أي شيء حمله على التكذيب والكفر ؟ وكلها محتملة . ولعلّ المعنى الأول أظهر لقوله قبله : قتل الإنسان ، ولمجيء هذا المعنى في مواضع أخر : إن الإنسان لظلوم كفار ، وكذلك فعول في قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } [ الحج : 66 ] ، وهكذا صفة الجاحدين لآيات الله ، كما في قوله : { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } [ لقمان : 32 ] . ثم رد تعالى عليه ذلك برده إياه إلى أصل خلقته ، ليتعظ من نفسه في قوله تعالى : { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } [ عبس : 18 - 21 ] ، لأن هذه الثلاثة مسلم بها ، ورتب عليها الرابعة { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } [ عبس : 22 ] . وقوله : { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } تقدم مراراً بيان أصل خلق الإنسان وأطواره . وقوله : { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } قيل : السبيل إلى خروجه من بطن أمه ، حيث أدار رأسه إلى جهة الخروج ، بدلاً مما كان عليه إلى أعلى ، وهذا من التيسير في سبيل خروجه ، وهذا مروي عن ابن عباس وغيره ، وهو اختيار ابن جرير . وقيل : السبيل : أي الدين في وضوحه ، ويسر العمل به ، كقوله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [ الإنسان : 3 ] ، وهو مروي عن الحسن وابن زيد ، ورجحه ابن كثير . ولعل ما رجحه ابن كثير هو الأرجح ، لأن تيسير الولادة أمر عام في كل حيوان ، وهو مشاهد ملموس ، فلا مزية للإنسان فيه على غيره ، كما أن ما قبله دال عليه أو على مدلوله وهو القدرة في قوله تعالى : { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } [ عبس : 19 ] . وقد يكون تيسير الولادة داخلاً تحت قوله : فقدره . أي قدر تخلقه وزمن وجوده وزمن خروجه ، وتقديرات جسمه وقدر حياته ، وقدر مماته ، كما هو معلوم . أما تيسير سبيل الدين ، فهو الخاص بالإنسان ، وهو المطلوب التوجه إليه . وهو الذي يتعلق بغيره ما بين تخلقه من نطفة وتقديره . وبين إماتته وإقباره . أي فترة حياته في الدنيا ، أي خلقه من نطفة وقدر مجيئه إلى الدنيا . ويسر له الدين في التكاليف . ثم أماته ليرى ماذا عمل { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } [ عبس : 22 ] . ولذا جاء في النهاية بقوله : كلا لما يقض ما أمره . وليس هنا ما يدل على الأمر . إلاَّ السبيل يسره . والله تعالى أعلم .