Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 85, Ayat: 17-18)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد عرض قصة أصحاب الأخدود تسلية للمؤمنين وتثبيتاً لهم ، وزجراً للمشركين وردعاً لهم ، جاء بأخبار لبعض من سبق من الأمم وفرعون وثمود بدل من الجنود ، وهم جمع جند ، وهم الكثرة ، وأصحاب القوة ، وحديثه ما قص الله من خبره مع موسى وبني إسرائيل . وفي اختيار فرعون هنا بعد أصحاب الأخدود لما بينهما من المشاكلة والمشابهة ، إذ فرعون طغى وادَّعى الربوبية ، كملك أصحاب الأخدود الذي قال لجليسه : ألك رب غيري ؟ ولتعذيبه بني إسرائيل بتقتيل الأولاد واستحياء النساء ، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ، ولتقديم الآيات والبراهين على صدق الداعية ، إذ موسى عليه السلام قدَّم لفرعون من آيات ربه الكبرى فكذَّب وعصى ، والغلام قدم لهذا الملك الآيات الكبرى : إبراء الأكمه والأبرص بإذن الله ، وعجز فرعون عن موسى وإدراكه ، وعجز الملك عن قتل الغلام إذ نجاه الله من الإغراق والدهدهة من قمة الجبل ، فكان لهذا أن يرعوى عن ذلك ويتفطن للحقيقة ، لكن ساطانه أعماه كما أعمى فرعون . وكذلك آمن السحرة لما رأوا آية موسى وخروا لله سجداً . وهكذا آمن الناس برب الغلام ، فوقع الملك فيما وقع فيه فرعون . إذ جمع فرعون السحرة ليشهد الناس عجز موسى وقدرته ، فانقلب الموقف عليه ، وكان أول الناس إيمانا هم أعوان فرعون على موسى ، وهكذا هنا كان أسرع الناس إيماناً الذي جمعهم الملك ليشهدوا قتله للغلام . فظهر تناسب ذكر فرعون دون غيره من الأمم الطاغية السابقة ، إن كان في الكل عظة وعبرة ، ولكن هذا منتهى الإعجاز في قصص القرآن وأسلوبه ، والله تعالى أعلم . وكذلك ثمود لما كان منهم من مظاهر القوة والطغيان ، وقد جمعهما الله أيضاً معاً في سورة الفجر في قوله : { وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ } [ الفجر : 9 - 10 ] ، وهكذا جمعهما هنا فرعون وثمود .