Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-3)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أصل الطرق في اللغة : الدق ، ومنه المطرقة ، ولذا قالوا للآتي ليلاً : طارق ، لأنه يحتاج إلى طرق الباب . وعليه قول امرئ القيس : @ فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول @@ أي جئتها ليلاً ، وقول الآخر : @ ألم ترياني كلما جئت طارقاً وجدت بها طيباً وإن لم تطيب @@ وقول جرير : @ طرقتك صائدة القلوب وليس ذا وَقت الزيارة فارجعي بسلام @@ وفي الحديث : " أعوذ بك من شر طوارق الليل والنهار ، إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن " ، فهو لفظ عم في كل ما يأتي شيئة المفاجئ ، ولكأنه يأتي في حالة غير متوقعة ، ولكنه هنا خص بما فسر به بعده قي قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ * ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } [ الطارق : 2 - 3 ] . فقيل : ما يثقب الشياطين عند استراق السمع ، كما تقدم في قوله تعالى : { فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [ الجن : 9 ] ، فيكون عاماً في كل نجم . وقيل : خاص ، فقيل : زحل وقيل : المريخ ، وقيل الثريا ، لأنه إذا أطلق النجم عند العرب ، كان مراداً به الثريا . وتقدم هذا للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في أول سورة النجم . وقيل : الثاقب المضيء ، يثقب الظلام بضوئه ، وعليه فهو للجنس عامة ، لأن النجوم كلها مضيئة . قال القرطبي ، وقال سفيان : كل ما في القرآن وما أدراك فقد أخبره به ، وكل شيء قال فيه : وما فيه يدريك ، لم يخبره به . والواقع أنه الغالب ، فقد جاءت : " وما أدراك " ثلاث عشرة مرة ، كلها أخبره إلاَّ واحدة ، وهي في الحاقة { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } [ الحاقة : 3 ] وما عداها ، فقد أخبره بها ، وهي : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } [ المدثر : 27 - 28 ] . وفي المرسلات { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } [ المرسلات : 14 ] . وفي الانفطار : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } [ الانفطار : 17 ] ، إلى قوله { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } [ الانفطار : 19 ] . وفي المطففين : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [ المطففين : 8 - 9 ] . وفي البلد : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ } [ البلد : 12 - 13 ] . وفي القدر : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ * لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [ القدر : 2 - 3 ] . وفي القارعة : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } [ القارعة : 3 ] . وأيضاً : { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ } [ القارعة : 9 - 10 ] ، وفي هذه السورة { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ * ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } [ الطارق : 2 - 3 ] ، فكلها أخبره عنها إلاّ في الحاقة . تنبيه يلاحظ أنها كلها في قصار السور من الحاقة وما بعدها ، أما ما يدريك ، فقد جاءت ثلاث مرات فقط ، { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً } [ الأحزاب : 63 ] ، في الأحزاب ، { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } [ الشورى : 17 ] ، في الشورى ، { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } [ عبس : 3 ] في عبس وتولى ، فلم يخبره فيبها صراحة ، إلاّ أنه في الثالثة قد يكون أخبره لأنه قال { لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } فهو وإن لم يصرِّح هل هو تزكى أم لا ، إلاّ أن لعل من الله تعالى للتحقيق ، كما هو معلوم . تنبيه آخر قال كثير من المفسرين : أقسم الله بالسماء ، وبالنجم الطارق لعظم أمرها ، وكبر خلقهما كما في قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [ الواقعة : 75 - 76 ] ، ولأنه أقسم بالنجم إذا هوى . وفيما تقدم للشيخ رحمه الله تعالى علينا وعليه ترجيح كون مواقع النجوم ، { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [ النجم : 1 ] : إنما هو نجوم القرآن وتنزيله منجماً وهو به نزول الملك به على النَّبي صلى الله عليه وسلم .