Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 88, Ayat: 8-16)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا هو قسيم القسم الأول في بيان حال أهل الجنة ، ولم يعطف بالواو إيذاناً بكمال تباين مضمونيهما . ويومئذٍ هو يوم الغاشية المتقدم ، وهذا يقتضي أن الغاشية عامة في الفريقين . وإن اختلفت أحوالها مع مختلف الناس ، وعليه فمنهم من تغشاه بهولها ، ومنهم من تغشاه بنعيمها . وهي بالنسبة لكل منهما متناهية فيما تغشاهم به ، وهي صادقة على الفريقين . ومعلوم أن الغاشية تطلق على الخير كما تطلق على الشر ، بمعنى الشمول والإحاطة التامة . ومن إطلاقها على الخير ما جاء في الحديث : " ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله تعالى فيه إلاَّ حفَّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ، وذكرهم الله فيمن عنده " أخرجه مسلم . وبيان ذلك وتحقيقه في حق كلا القسمين كالآتي : أما الأول منهما : وهو الغاشية في حق أهل النار فقد غشيهم العذاب حساً ومعنى ظاهراً وباطناً أو لا خشوع في ذلة ، وهي ناحية نفسية ، وهي أثقل أحياناً من الناحية المادية ، فقد يختار بعض الناس الموت عنها ، ثم مع الذلة العمل والنصب حساً وبدناً ، ومع النصب الشديد تصلى ناراً حامية ، وكان يكفي تصلى ناراً . ولكن إتباعها بوصفها حامية فهو زيادة في إبراز عذابهم وزيادة في غشيان العذاب لهم ، ثم يسقون من عين آنية متناهية في الحرارة فيكونون بين نار حامية من الخارج وحميم من الداخل تصهر منه البطون ، فهو أتم في الشمول للغاشية لهم من جميع الوجوه ، وفي حق القسم المقابل تعميم كامل وسرور شامل كالآتي ، وجوه ناعمة مكتملة النعمة ، تعرف في وجوههم نضرة النعيم . وهذا في شموله من الناحية المعنوية كمقابله في القسم الأول بدلاً من خاشعة في ذلة ناعمة في نضرة لسعيها راضية الذي سعته في الدنيا ، والذي تسعى لتحصيله أو ثوابه في جنة عالية بدلاً من عمل ونصب ، لا تسمع فيها لاغية ، منزلة أدبية رفيعة حيث لا تسمع فيها كلمة لغو ولا يليق بها ، فهو إكرام لهم حتى في الكلمة التي يسمعونها ، كما في قوله : { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [ الواقعة : 25 - 26 ] . { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } . ومعلوم أنها عيون وأنهار تجري ، كقوله : { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } [ الحجر : 45 والدخان : 52 ] ، ومن لوازم العيون والأنهار ، هو كمال النعيم ، فأشجار ورياحين ، فروح وريحان وجنة نعيم . وهذا في التعميم يقابل العين الآنية في الحميم للقسم الأول ، فيها سرر مرفوعة وهم عليها متكئون بدل من عمل الآخرين في نصب وشقاء . وأكواب موضوعة لإتمام التمتع وكمال الخدمة والرفاهية . حيث اشتمل ما تراه العين وما تسمعه الأذن وما يتذوقون طعمه من شراب وغيره . فيكون بذلك قد غشيهم النعمة ، كما غشيت أولئك النقمة وتكون الغاشية بمعنى الشاملة ، وعلى عمومها للفريقين ، وهي صالحة لغة وشرعاً للمعذبين بالعذاب ، وللمنعمين بالنعيم . وبالله تعالى التوفيق . تنبيه مجيء { فِيهَا } مرتين : { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } . للدلالة على قسمي نعيم الجنة . الأول : عيون ونزهة . والثاني : سرر وسكن .