Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف في المراد بالفجر ، فقيل : انفجار النهار من ظلمة الليل . وقيل : صلاة الفجر . وكلا القولين له شاهد من القرآن . أما انفجار النهار ، فكما في قوله تعالى : { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } [ التكوير ] . وأما صلاة الفجر فكما في قوله : { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } [ الإسراء : 78 ] ، ولكن في السياق ما يقرب القول الأول ، إذ هو في الأيام والليالي الفجر وليال عشر ، الليل إذا يسري ، وكلها آيات زمنية أنسب لها انفجار النهار . بقي في ذلك اختلافهم في أي الفجر عنى هنا ، فقيل بالعموم في كل يوم ، وقيل : بالخصوص . والأول قول ابن عباس وابن الزبير وعلي رضي الله عنهم . وعلى الثاني فقيل : خصوص الفجر يوم النحر . وقيل : أول يوم المحرم ، وليس هناك يعول عليه . إلا أن فجر يوم النحر أقرب إلى الليالي العشر ، إن قلنا : هي عشر ذي الحجة على ما يأتي إن شاء الله . أما الليالي العشر فأقوال المفسرين محصورة في عشر ذي الحجة ، وعشر المحرم والعشر الأواخر من رمضان . والأول جاء عن مسروق أنها العشر التي ذكرها الله في قصة موسى عليه السلام وأتممناها بعشر ، وكلها الأقوال الثلاثة مروية عن ابن عباس . وليس في القرآن نص بعينها . وفي السنة بيان فضيلة عشر ذي الحجة وعشر رمضان كما هو معلوم ، فإن جعل الفجر خاصاً بيوم النحر ، كان ذي الحجة أقرب للسياق . والله تعالى أعلم . والشفع والوتر : ذكر المفسرون أكثر من عشرين قولاً ومجموعها يشمل جميع المخلوقات جملة وتفصيلاً . أما جملة فقالوا : إنما الوتر هو الله ، للحديث : " إن الله وتر يحب الوتر " ، وما سواه شفع ، كما في قوله : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [ الذاريات : 49 ] ، فهذا شمل كل الوجود الخالق والمخلوق ، كما في عموم { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } [ الحاقة : 38 - 39 ] . أما التفصيل فقالوا : المخلوقات إما شفع كالحيوانات أزواجاً ، والسماء . والأرض ، والجبل ، والبحر ، والنار ، والماء . وهكذا ذكروا لكل شيء مقابله ، ومن الأشياء الفرد كالهواء وكلها من باب الأمثلة . والواقع أن أقرب الأقوال عندي والله أعلم : أنه هو الأول لأنه ثبت علمياً أنه لا يوجد كائن موجود بمعنى الوتر قط حتى الحصاة الصغيرة . فإنه ثبت أن كل كائن جماد أو غيره مكون من ذرات والذرة لها نواه ومحيط ، وبينهما ارتباط وعن طريقهما التفجير الذي اكتشف في هذا العصر ، حتى في أدق عالم الصناعة كالكهرباء ، فإنها من سالب وموجب ، وهكذا لا بد من دورة كهربائية للحصول على النتيجة من أي جهاز كان ، حتى الماء الذي كان يظن به البساطة فهو زوج وشفع من عنصرين ، أكسجين وهدروجين ، ينفصلان إذا وصلت درجة حرارة الماء إلى مائة إلى الغليان ، ويتآلفان إذا نزلت الدرجة إلى حد معين فيتقاطران ماء ، وهكذا . ونفس الهواء عدة غازات وتراكيب ، فلم يبق في الكون شيء قط فرداً وتراً بذاته ، إلا ما نص عليه الحديث " إن الله وتر يحب الوتر " ويمكن حمل الحديث على معنى الوتر فيه مستغنى بذاته عن غيره ، والواحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله . فصفاته كلها وتر كالعلم بلا جهل والحياة بلا موت . إلخ . بخلاف المخلوق ، وقلنا : المستغنى بذاته عن غيره ، لأن كل مخلوق شفعاً ، فإن كل عنصر منه في حاجة إلى العنصر الثاني ، ليكون معه ذاك الشيء والله سبحانه بخلاف ذلك . ولهذا كان القول الأول ، وهو أن الوتر هو الله ، والشفع هو المخلوقات جميعها ، هو القول الراجح ، وهو الأعم في المعنى . قوله { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } اتفق المفسرون على المعنى وهو سريان الليل ، ولكن الخلاف في التعيين هل المراد به عموم الليالي في كل ليلة أم ليلة معينة ، وما هي ؟ فقيل : بالعموم كقوله : { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } [ التكوير : 17 ] . وقيل : بالخصوص في ليلة مزدلفة أو ليلة القدر . وأيضاً يقال : إذا كان الفجر فجر النحر ، والعشر عشر ذي الحجة فيكون { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } ليلة الجمع . والله تعالى أعلم . وقد رجح القرطبي وغيره عموم الليل ، وقد جمع في هذا القسم جميع الموجودات جملة وتفصيلاً ، فشملت الخالق والمخلوق والشفع والوتر إجمالاً وتفصيلاً ، في انفجار الفجر وانتشار الخلق وسريان الليل وسكون الكون ، والعبادات في الليالي العشر . فكان من أعظم ما أقسم الله به قوله تعالى : { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } أي عقل ، والحجر كل مادته تدور على الإحكام والقوة ، فالحجر لقوته ، والحجرة لإحكام ما فيها . والعقل سمي حِجراً بكسر الحاء . لأنه يحجر صاحبه عما لا يليق ، والمحجور عليه لمنعه من تصرفه وإحكام أمره ، وحجر المرأة لطفلها ، فهذه المقسم بها الخمسة هل فيها قسم كاف لذي عقل ، والجواب : بلى ، وهذا ما يقوي هذا القسم بلا شك . ثم اختلف في جواب هذا القسم حيث لم يصرح تعالى به ، كما صرح به في نظيره ، وهو قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [ الواقعة : 75 - 76 ] . ثم صرَّح بالمقسم عليه { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } [ الواقعة : 77 ] الآية . وهنا لم يصرح به من عظم القسم فوقع الخلاف في تعيينه . فقيل : هو مقدر تقديره ليعذبن يدل له قوله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } [ الفجر : 6 ] - إلى قوله : - { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } [ الفجر : 13 ] . وقيل : موجود وهو قوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] ، قاله القرطبي . وهذا من حيث الصناعة في اللغة وأساليب التفسير وجيه ، ولكن يوجد في نظري والله تعالى أعلم : ارتباط بين القسم وجوابه وبينما يجيء في آخر السورة من قوله : { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } [ الفجر : 21 ] ، إلى آخر السورة . كما أنه يظهر ارتباط كبير بينه وبين آخر السورة التي قبلها ، إذ جاء فيها { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ * إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ * فَيْعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } [ الغاشية : 21 - 24 ] ، { وَٱلْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ } [ الفجر : 1 - 2 ] - إلى قوله - { هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } [ الفجر : 5 ] لأن ما فيه من الوعيد بالعذاب الأكبر والقصر في إيابهم إلى الله وحده وحسابهم عليه فحسب يتناسب معه هذا القسم العظيم . أما ارتباطه بما في آخر السورة ، فهو أن المقسم به هنا خمس مسميات { وَٱلْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَٱلشَّفْعِ وَٱلْوَتْرِ * وَٱللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } [ الفجر : 1 - 4 ] ، والذي في آخر السورة أيضاً خمس مسميات : { دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } [ الفجر : 21 - 23 ] . صور اشتملت على اليوم الآخر كله من أول النفخ في الصور ، ودك الأرض إلى نهاية الحساب ، وتذكر كل إنسان ماله وما عليه ، تقابل ما اشتمل عليه القسم المتقدم من أمور الدنيا .