Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 6-11)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لم يبين هنا ماذا ولا كيف فعل ، بمن ذكروا ، وهم عاد وثمود وفرعون . وقد تقدم ذكر ثلاثتهم في سورة الحاقة عند قوله تعالى : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [ الحاقة : 5 ] ، { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ } [ الحاقة : 6 - 7 ] - إلى قوله - { فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } [ الحاقة : 10 ] . والجديد هنا : هو وصف كل من عاد من أنها ذات العماد ، ولم يخلق مثلها في البلاد ، وثمود أنهم جابوا الصخر بالواد ، وفرعون أنه ذو أوتاد . وقد اختلف في المعنى بهذه الصفات كلها . أما عاد ، فقيل : العماد عماد بيوت الشعر ، والمراد بها القبيلة . وطول عماد بيوتها : كناية عن طول أجسامهم ، كما قيل في صخر : @ رفيع العماد طويل النجاد @@ وطول الأجسام يدل على قوة أصحابها . وقيل : إرم : كانت مدينة رفيعة البنيان ، وذكروا في أخبارها قصصاً تفوق الخيال ، وأنها في الربع الخالي ، ولكن حيث لم تثبت أخبارها بسند يعول عليه ، ولم يصدقه الواقع ، فقال قوم : قد خسف بها ولم تعد موجودة . أما ثمود : فقد جابوا ، أي نحتوا الصخر بالواد ، بواد القرى في مدائن صالح ، وهي بيوتهم موجودة حتى الآن . وأما فرعون ذو الأوتاد ، فقيل : هي أوتاد الخيام ، كان يتدها لمن يعذبهم . وقيل : هي كناية عن الجنود يثبت بها ملكه . وقيل : هي أكمات وأسوار مرتفعات ، يلعب له في مرابعها . قال ابن جرير ما نصه : حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة " وفرعون ذي الأوتاد ، ذُكِر لنا أنها كانت مطال ، وملاعب يلعب له تحتها من أوتاد وجبال " . والذي يظهر والله تعالى أعلم : أن هذا القول هو الصحيح ، وأنها مرتفعة ، وأنها هي المعروفة الآن بالأهرام بمصر ، ويرجح ذلك إلى عدة أمور : منها : أنها تشبه الأوتاد في منظرها طرفه إلى أعلا ، إذ القمة شبه الوتد ، مدببة بالنسبة لضخامتها ، فهي بشكل مثلث ، قاعدته إلى أسفل وطرفه إلى أعلا . ومنها : ذكره مع ثمود الذين جابوا الصخر بالواد ، بجامع مظاهر القوة ، فأولئك نحتوا الصخر بيوتاً فارهين ، وهؤلاء قطعوا الصخر الكبير من موطن لا جبال حوله ، مما يدل أنها نقلت من مكان بعيد . والحال أنها قطع كبار صخرات عظام ففي اقتطاعها وفي نقلها إلى محل بنائها ، وفي نفس البناء كل ذلك مما يدل على القوة والجبروت ، وتسخير العباد في ذلك . ومنها : أن حملها على الأهرام القائمة بالذات والمشاهدة في كل زمان ولكل جيل ، أوقع في العظة والاعتبار ، بأن من أهلك تلك الأمم ، قادر على إهلاك المكذبين من قريش وغيرهم . صدق الله العظيم : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] .