Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 3-3)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث هذه المسألة ، وإيراد كل النصوص في عدة مواضع ، أشار إليها كلها في سورة النجم عند قوله تعالى : { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } [ النجم : 45 - 46 ] ، وقد قرئت بعد قراءات منها { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } ، ومنها { ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } . وذكرها ابن كثير مرفوعة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى القراءة المشهورة . { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } ، اختلف في لفظة " ما " فقيل : إنها مصدرية ، أي وخلق الذكر والأنثى . وقيل : بمعنى من ، أي والذي خلق الذكر والأنثى . فعلى الأول يكون القسم بصفة من صفات الله وهي صفة الخلق ، ويكون خص الذكر والأنثى لما فيهما من بديع صنع الله وقوة قدرته سبحانه على ما يأتي . وعلى قراءة : والذكر والأنثى . يكون القسم بالمخلوق كالليل والنهار ، لما في الخلق من قدرة الخالق أيضاً ، وعلى أنها بمعنى الذي يكون القسم بالخالق سبحانه ، وتكون ما هنا مثل في قوله : { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } [ الشمس : 5 ] ، وغاية ما فيه استعمالها وهي في الأصل لغير أولي العلم ، إلا أنها لوحظ فيها معنى الصفة ، وهي صفة الخلق أو على ما تستعمله العرب عند القرينة ، كقوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } [ النساء : 22 ] ، وقوله : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] ، لما لوحظ فيه معنى الصفة وهو الاستمتاع ، ساغ استعمال ما بدلاً عمن . وفي اختصاص خلق الذكر والأنثى في هذا المقام لفت نظر إلى هذه الصفة ، لما فيها من إعجاز البشر عنها ، كما في الليل والنهار من الإعجاز للبشر من أن يقدروا على شيء في خصوصه ، كما قدمنا في السورة قبلها . وذلك : أن أصل التذكير والتأنيث أمر فوق إدراك وقوى البشر ، وهي كالآتي أولاً في الحيوانات الثديية ، وهي ذوات الرحم تحمل وتلد ، فإنها تنتج عن طريق اتصال الذكور بالإناث . وتذكير الجنين أو تأنيثه ليس لأبويه دخل فيه ، إنه من نطفة أمشاج ، أي أخلاط من ماء الأب والأم ، وجعل هذا ذكراً وذاك أنثى ، فهو هبة من الله كما في قوله : { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ الشورى : 49 - 50 ] . وقد ثبت علمياً أن سبب التذكير والتأنيث من جانب الرجل ، أي أن المرأة صالح لهذا وذاك ، وماء الرجل هو الذي به يكون التمييز لانقسام يقع فيه ، فالمرأة لا تعدو أن تكون حرثاً ، والرجل هو الزارع ، ونوع الزرع يكون عن طريقه ، كما أشارت إليه الآية الكريمة { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } [ البقرة : 223 ] ، والحرث لا يتصرف في الزرع ، وإنما التصرف عن طريق الحارث . ويتم ذلك عن طريق مبدء معلوم علمياً ، وهو أن خلية التلقيح في الأنثى دائماً وأبداً مكونة من ثمانية وأربعين جزءاً ، وهي دائمة وأبداً تنقسم إلى قسمين متساويين أربعة وعشرين ، فيلتحم قسم منها مع قسم خلية الذكر ، وخلية الذكر سبعة وأربعون ، وإنما أبداً تنقسم أيضاً عند التلقيح إلى قسمين ، ولكن أحدهما أربعة وعشرون ، والآخر ثلاثة وعشرون ، فإذا أراد الله تذكير الحمل سبق القسم الذي من ثلاثة وعشرين . فيندمج مع قسيم خلية الأنثى ، وهو أربعة وعشرون ، فيكون مجموعهما سبعة وأربعين ، فيكون الذكر بإذن الله . وإذا أراد الله تأنيث الحمل سبق القسم الذي هو أربعة وعشرون من الرجل ، فيندمج مع قسيم خلية المرأة أربعة وعشرين ، فيكون من مجموعهما ثمانية وأربعون ، فتكون الأنثى بإذن الله ، وهكذا في جميع الحيوانات . أما النباتات فإن بعض الأشجار تتميز فيه الذكور من الإناث ، كالنخل والتوت مثلاً ، وبقية الأشجار تكون الشجرة الواحدة تحمل زهرة الذكور وزهرة الأنوثة ، فتلقح الرياح بعضها من بعض . وقد حدثني عدة أشخاص عن غريبتين في ذلك . إحداهما أن نخلة موجودة حتى الآن في بعض السنين فحلاً يؤخذ منه ليؤبر النخيل ، وفي بعض السنين نخلة تطلع وتثمر . وحدثني آخر في نفس المجلس : من أنه توجد عندهم شجرة نخل يكون أحد شقيها فحلاً يؤخذ منه الطلع يلقح به النخل ، وشقها الآخر نخلة يتلقح من الشق الآخر لمجاورته . كما حدثني ثالث : أن والده قطع بعض فحل النخل لكثرته في النخيل ، وبعد قطعه نبت في أصله ومن جذعه وجذوره نخلة تثمر , وكل ذلك على خلاف العادة ، ولكنه دال على قدرة الله تعالى ، وأنه خالق الذكر والأنثى . أما عمل هذا الجهاز في الحيوانات ، بل وفي الحشرات الدقيقة ، وتكاثرها ، فهو فوق الحصر والحد . وقد ذكروا في عالم الحشرات ، ما يلقح نفسه بنفسه ، باحتكاك بعض فخذيه ببعض ، وكل ذلك مما لا يعلمه ولا يقدر على إيجاده إلا الله سبحانه وتعالى ، مما لو تأمله العاقل لوجد فيه كما أسلفنا القدرة الباهرة ، أعظم مما في الليل إذا يغشى وما في النهار إذا تجلى ، ولا سيما إذا صغر الكائن كالبعوضة فما دونها مما لا يكاد يرى بالعين ، ومع ذلك فإن فيه الذكورة والأنوثة . سبحانك اللَّهم ما أعظم شأنك .