Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 93, Ayat: 4-4)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
خير تأتي مصدراً كقوله : إن ترك خيراً أي مالاً كثيراً ، وتأتي أفعل تفضيل محذوفة الهمزة ، وهي هنا أفعل تفضيل بدليل ذكر المقابل ، وذكر حرف من ، مما يدل على أنه سبحانه أعطاه في الدنيا خيرات كثيرة ، ولكن ما يكون له في الآخرة فهو خير وأفضل مما أعطاه في الدنيا ، ويوهم أن الآخرة خير له صلى الله عليه وسلم وحده من الأولى ، ولكن جاء النص على أنها خير للأبرار جميعاً ، وهو قوله تعالى : { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } [ آل عمران : 198 ] . وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان الخيرية للأبرار عند الله ، أي يوم القيامة بما أعد لهم ، كما في قوله : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } [ الانفطار : 13 ] ، وقوله : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } [ الإنسان : 5 ] . أما بيان الخيرية هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبيان الخير في الدنيا أولاً ، ثم بيان الأفضل منه في الآخرة . أما في الدنيا المدلول عليه بأفعل التفضيل ، أي لدلالته على اشتراك الأمرين في الوصف ، وزيادة أحدهما على الآخر ، فقد أشار إليه في هذه السورة والتي بعدها ، ففي هذه السورة قوله تعالى : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } [ الضحى : 6 ] ، أي منذ ولادته ونشأته ، ولقد تعهده الله سبحانه من صغره فصانه عن دنس الشرك ، وطهَّره وشق صدره ونقاه ، وكان رغم يتمه سيد شباب قريش ، حيث قال عمه عند خطبته خديجة لزواجه بها فقال : " فتى لا يعادله فتى من قريش ، حلماً وعقلاً وخلقاً ، إلا رجح عليه " . وقوله : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ * وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } [ 7 - 8 ] . على ما سيأتي بيانه كله ، فهي نعم يعددها تعالى عليه ، وهي من أعظم خيرات الدنيا من صغره إلى شبابه وكبره ، ثم اصطفائه بالرسالة ، ثم حفظه من الناس ، ثم نصره على الأعداء ، وإظهار دينه وإعلاء كلمته . ومن الناحية المعنوية ما جاء في السورة بعدها : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [ الانشراح : 1 - 4 ] . أما خيرية الآخرة على الأولى ، فعلى حد قوله : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [ الضحى : 5 ] ، وليس بعد الرضى مطلب ، وفي الجملة : فإن الأولى دار عمل وتكليف وجهاد ، والآخرة دار جزاء وثواب وإكرام ، فهي لا شك أفضل من الأولى .