Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 8-8)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

العائل : صاحب العيال ، وقيل : العائل الفقير : على أنه من لازم العيال الحاجة ، ولكن ليس بلازم ، ومقابلة عائلاً بأغنى ، تدل على أن معنى عائلاً أي فقيراً ، ولذا قال الشاعر : @ فما يدري الفَقير متى غناه ومَا يدري الغنى متى يعيل وما تدري وإن ذمرت سقبا لغيرك أم يكون لك الفَصيل @@ وهذا مما يذكره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من تعداد النعم عليه ، وأنه لم يودعه وما قلاه ، لقد كان فقيراً من المال فأغناه الله بمال عمه . وقد قال عمه في خطبة نكاحه بخديجة : وإن كان في المال قلّ فما أحببتم من الصداق ، فعليّ ، ثم أغناه الله بمال خديجة ، حيث جعلت مالها تحت يده . قال النيسابوري ما نصه : يروى أنه صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهو مغموم ، فقالت : مالك ؟ فقال : الزمان زمان قحط ، فإن أنا بذلت المال ينفد مالك ، فأستحي منك ، وإن أنا لم أبذل أخاف الله ، فدعت قريشاً وفيهم الصديق ، قال الصديق : فأخرجت دنانير حتى وضعتها ، بلغت مباناً لم يقع بصري على من كان جالساً قدامي ، ثم قالت : اشهدوا أن هذا المال ماله ، إن شاء فرَّقه وإن شاء أمسكه . فهذه القصة وإن لم يذكر سندها ، فليس بغريب على خديجة رضي الله عنه أن تفعل ذلك له صلى الله عليه وسلم ، وقد فعلت ما هو أعظم من ذلك ، حيث دخلت معه الشعب فتركت مالها ، واختارت مشاركته صلى الله عليه وسلم لما هو فيه من ضيق العيش ، حتى أكلوا ورق الشجر ، وأموالها طائلة في بيتها . ثم كانت الهجرة وكانت مواساة الأنصار ، لقد قدم المدينة تاركاً ماله ومال خديجة ، حتى إن الصديق ليدفع ثمن المربد لبناء المسجد ، وكان بعد ذلك فيء بني النضير ، وكان يقضي الهلال ثم الهلال ثم الهلال ، لا يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار ، إنما هما الأسودان : التمر والماء . ثم جاءت غنائم حنين ، فأعطى عطاء من لا يخشى الفقر ، ورجع بدون شيء ، وجاء مال البحرين فأخذ العباس ما يطيق حمله ، وأخيراً توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة في آصع من شعير . وقوله تعالى : { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ } ، يشير إلى هذا الموضع ، لأن أغنى تعبير بالفعل ، وهو يدل على التجدد والحدوث ، فقد كان صلى الله عليه وسلم من حيث المال حالاً فحالاً ، والواقع أن غناه صلى الله عليه وسلم كان قبل كل شيء ، هو غنى النفس والاستغناء عن الناس ، ويكفي أنه صلى الله عليه وسلم أجود الناس . وكان إذا لقيه جبريل ودارسه القرآن كالريح المرسلة ، فكان صلى الله عليه وسلم القدوة في الحالتين ، في حالي الفقر والغنى ، إن قلَّ ماله صبر ، وإن كثر بذل وشكر . @ استغن ما أغناك ربك بالغنى وإذا تصبك خصاصة فتجمل @@ ومما يدل على عظم عطاء الله له مما فاق كل عطاء . قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ * لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الحجر : 87 - 88 ] . وقد اختلفوا في المقارنة بين الفقير الصابر والغني الشاكر ، ولكن الله تعالى قد جمع لرسوله صلى الله عليه وسلم كلا الأمرين ، ليرسم القدوة المثلى في الحالتين . تنبيه في الآية إشارة إلى أن الإيواء والهدى والغنى من الله لإسنادها هنا لله تعالى . ولكن في السياق لطيفة دقيقة ، وهي معرض التقرير ، يأتي بكاف الخطاب : ألم يجدك يتيماً ، ألم يجدك ضالاً ، ألم يجدك عائلاً ، لتأكيد التقرير ، لم يسند اليتيم ولا الإضلال ولا الفقر لله ، مع أن كله من الله ، فهو الذي أوقع عليه اليتم ، وهو سبحانه الذي منه كلما وجده عليه ، ذلك لما فيه من إيلام له ، فما يسنده لله ظاهراً ، ولما فيه من التقرير عليه أبرز ضمير الخطاب . وفي تعداد النعم : فآوى ، فهدى ، فأغنى . أسند كله إلى ضمير المنعم ، ولم يبرز ضمير الخطاب . قال المفسرون : لمراعاة رؤوس الآي والفواصل ، ولكن الذي يظهر والله تعالى أعلم : أنه لما كان فيه امتنان ، وأنها نعم مادية لم يبرز الضمير لئلا يثقل عليه المنة ، بينما أبرزه في : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [ الانشراح : 1 - 4 ] . لأنها نعم معنوية ، انفرد بها صلى الله عليه وسلم . والله تعالى أعلم .