Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 97, Ayat: 3-3)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القدر : الرفعة ، والقدر : بمعنى المقدار . قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرة الإملاء ووجه تسميتها ليلة القدر فيه وجهان : أحدهما : أن معنى القدر الشرف والرفعة ، كما تقول العرب : فلان ذو قدر ، أي رفعة وشرف . الوجه الثاني : أنها سميت ليلة القدر ، لأن الله تعالى يقدر فيها وقائع السنة ، ويدل لهذا التفسير الأخير قوله تعالى : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ } [ الدخان : 3 - 5 ] . وهذا المعنى قد ذكره رحمة الله تعالى علينا وعليه في سورة الدخان من الأضواء . والواقع أن في السورة ما يدل للوجه وهو القدر والرفعة ، وهو قوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [ القدر : 2 - 3 ] . فالتساؤل بهذا الأسلوب للتعظيم كقوله : { ٱلْقَارِعَةُ مَا ٱلْقَارِعَةُ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } [ القارعة : 1 - 3 ] ، وقوله : { خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ، فيه النص صراحة على علو قدرها ورفعتها ، إذ أنها تعدل في الزمن فوق ثلاث وثمانين سنة ، أي فوق متوسط أعمار هذه الأمة . وأيضاً كونها اختصت بإنزال القرآن فيها ، وبتنزل الملائكة والروح فيها ، وبكونها سلاماً هي حتى مطلع الفجر ، لفيه الكفاية بما لم تختص وتشاركها في ليلة القدر من ليالي السنة . وعليه : فلا مانع من أن تكون سميت بليلة القدر ، لكونها محلاً لتقدير الأمور في كل سنة ، وأنها بهذا وبغيره علا قدرها وعظم شأنها ، والله تعالى أعلم ، تذكير بنعمة كبرى . إذا كانت أعمال العبد تتضاعف في تلك الليلة ، حتى تكون خيراً من ألف شهر ، كما في هذا النص الكريم . فإذا صادفها العبد في المسجد النبوي يصلي ، وصلاة فيه بألف صلاة ، فكم تكون النعمة وعظم المنة ، من المنعم المتفضل سبحانه ، إنه لمما يعلي الهمة ويعظم الرغبة . وقد اقتصرت على ذكر المسجد النبوي دون المسجد الحرام ، مع زيادة المضاعفة فيه ، لأن بعض المفسرين قال بمضاعفة السيئة فيها . كذلك أي أن المعصية في ليلة القدر كالمعصية في ألف شهر ، والمسجد الحرام يحاسب فيه العبد على مجرد الإرادة ، فيكون الخطر أعظم ، وفي المدينة أسلم . ولعل مما يؤيد ذلك أن ليالي القدر كلها ، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وقد أثبتها أهل السنة كافة ، وادعت الشيعة نسخها ورفعها كلية ، وهذا لا يلتفت إليه لصحة النصوص وشبه المتواترة . تنبيه لم يأت تحديد لتلك الليلة من أي رمضان تكون ، وقد أكثر العلماء في ذلك القول وإيراد النصوص . فالأقوال منها على أعم ما يكون ، من أنها في عموم السنة ، وهذا لم يأت بجديد ، وهو عن ابن مسعود وإنما أراد الاجتهاد . ومنها : أنها في عموم رمضان ، وهذا حسب عموم نص القرآن . ومنها : أنها في العشر الأواخر منه ، وهذا أخص من الذي قبله . ومنها : أنها في الوتر من العشر الأواخر ، وهذا أخص من الذي قبله . ومنها : أنها في آحاد الوتر من العشر الأواخر . فقيل : في إحدى وعشرين . وقيل : ثلاث وعشرين . وقيل : خمس وعشرين . وقيل : سبع وعشرين . وقيل : تسع وعشرين . وقيل : آخر ليلة من رمضان على التعيين ، وفي كل ليلة من ذلك نصوص . ولكن أشهرها وأكثرها وأصحها ، ما جاء أنها في سبع وعشرين ، وإحدى وعشرين ، ولا حاجة إلى سرد النصوص الواردة في كل ذلك ، فم يبق كتاب من كتب التفسير إلا ذكرها ، ولا سيما ابن كثير والقرطبي . تنبيه إذا كانت كل النصوص التي وردت في الوتر من العشر الأواخر صحيحه ، فإنه لا يبعد أن تكون ليلة القدر دائرة بينها ، وليست بلازمة في ليلة منها ولا تخرج عنها ، فقد تكون في سنة هي ليلة إحدى وعشرين ، بينما في سنة أخرى ليلة خمس أو سبع وعشرين ، وفي أخرى ليلة ثلاث أو تسع وعشرين ، وهكذا . والله تعالى أعلم . وقد حكى هذا الوجه ابن كثير عن مالك والشافعي وأحمد وغيرهم ، وقال : وهو الأشبه ، والله تعالى أعلم . وقد قيل : إنه صلى الله عليه وسلم قد أنسيها ، لتجتهد الأمة في الشهر كله أو في العشر كلها ، ومما يؤكد أنها في العشر الأواخر اعتكافه صلى الله عليه وسلم ، التماساً لليلة القدر . وقد جاء في فضلها ما استفاضت به كتب الحديث والتفسير ، ويكفي فيها نص القرآن الكريم . وفي هذه الليلة مباحث عديدة يطول تتبعها ، منها ما يذكر من أماراتها . ومنها : محاولة البعض استخراجها من القرآن . ومنها : علاقتها بحكم بني أمية ، وليس على شيء من ذلك نص يمكن التعويل عليه ، لذا لا حاجة إلى إيراده ، اللَّهم إلا ما جاء في بعض أمارات نهارها صبيحتها ، حيث جاء التنويه عن شيء منه في الحديث " ورأيتني أسجد صبيحتها في ماء وطين " . فذكروا من علامات يومها أن تطلع الشمس بيضاء ، وقالوا : لأن أنوار الملائكة عند صعودها ، تتلاقى مع أشعة الشمس فتحدث فيها بياض الضوء ، وهذا مروي عن أُّبي في صحيح مسلم . ومنها : اعتدال هوائها وجوّها ونحو ذلك ، ومما يمكن أن يكون له صلة بالسورة ذاتها ، ما حكاه ابن كثير أن بعض السلف ، أراد استخراجها من كتاب الله في نفس السورة ، فقال : إن كلمة هي في قوله : { سَلاَمٌ هِيَ } [ القدر : 5 ] ، تقع السابعة والعشرين من عد كلماتها ، فتكون ليلة سبع وعشرين . وقيل أيضا : إن حروف كلمة ليلة القدر تسعة أحرف ، وقد تكررت ثلاث مرات ، فيكون مجموعها سبعة وعشرين حرفاً ، فتكون ليلة سبع وعشرين . ولعل أصوب ما يقال : هو ما قدمنا من أنها تتصل في ليالي الوتر من العشر الأواخر ، ولا تخرج عنها . والله تعالى أعلم .