Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 98, Ayat: 6-6)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرئت البرية بالهمزة وبالياء ، فقرأ بالهمز : نافع وابن ذكوان . والباقون بالياء ، فاختلف في أخذها . قال القرطبي : قال الفراء : إن أخذت البرية من البراءة بفتح الباء والراء : أي التراب . فأصله غير مهموز بقوله منه : براه الله يبروه برواً ، أي خلقه ، وقيل : البرية من بريت القلم أي قدرته . وقد تضمنت هذه الآية مسألتين : الأولى منهما : أن أولئك في نار جهنم خالدين فيها ، ومبحث خلود الكفار في النار ، تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه وافياً . والمسألة الثانية أنهم شر البرية ، والبرية أصلها البريئة ، قلبت الهمزة ياء تسهيلاً ، وأدغمت الياء في الباء ، والبريئة الخليقة والله تعالى بارئ النسم ، هو الخالق البارئ المصور سبحانه . ومن البرية الدواب والطيور ، وهنا النص على عمومه ، فأفهم أن أولئك شر من الحيوانات والدواب . وقد جاء النص صريحاً في هذا المعنى في قوله تعالى : { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [ الأنفال : 22 ] ، وقد بين أن المراد بهم الكفار في قوله : { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } [ محمد : 23 ] ، وقال عنهم : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ الزخرف : 40 ] ، فهم لصممهم وعماهم في ضلال مبين . وقد ثبت أن الدواب ليست في ضلال مبين ، لأنها تعلم وتؤمن بوحدانية الله ، كما جاء في هدهد سليمان ، أنكر على بلقيس وقومها سجودهم للشمس والقمر من دون الله . ونص مالك في الموطأ في فضل يوم الجمعة " أنه وما من دابة إلا تصيخ بأذنها من فجر يوم الجمعة إلى طلوع الشمس خشية الساعة " ، وهذا كله ليس عند الكافر منه شيء ، ثم في الآخرة لما يجمع الله جميع الدواب ويقتص للعجماء من القرناء ، فيقول لها : كوني تراباً ، فيتمنى الكافر لو كان مثلها فلم يحصل له ، كما قال : { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [ النبأ : 40 ] . وذلك والله تعالى أعلم : أن الدواب لم تعمل خيراً فتبقى لتجازى عليه ، ولم تعمل شراً لتعاقب عليه فكانت لا لها ولا عليها إلا ما كان فيما بينها وبين بعضها ، فلما اقتص لها من بعضها انتهى أمرها ، فكانت نهايتها عودتها إلى منبتها وهو التراب . بخلاف الكافر فإن عليه حساب التكاليف وعقاب المخالفة فيعاقب بالخلود في النار ، فكان شر البرية .