Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 99, Ayat: 1-6)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الزلزلة : الحركة الشديدة بسرعة ، ويدل لذلك فقه اللغة من وجهين : الأول : تكرار الحروف ، أو ما يقال تكرار المقطع الواحد ، مثل صلصل وقلقل وزقزق ، فهذا التكرار يدل على الحركة . والثاني : وزن فعَّل بالتضعيف كغلّق وكسّر وفتح ، فقد اجتمع في هذه الكلمة تكرار المقطع وتضعيف الوزن . ولذا ، فإن الزلزال أشد ما شهد العالم من حركة ، وقد شوهدت حركات زلزال في أقل من ربع الثانية ، فدمر مدناً وحطم قصوراً . ولذا فقد جاء وصف هذا الزلزال بكونه شيئاً عظيماً في قوله تعالى : { إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } [ الحج : 1 ] ، ويدل على هذه الشدة تكرار الكلمة في زلزلت وفي زلزلها ، كما تشعر به هذه الإضافة . وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، إيراد النصوص المبينة لذلك في أول سورة الحج كقوله تعالى : { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } [ الحاقة : 14 ] ، وقوله : { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } [ الواقعة : 4 - 5 ] ، وقوله : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } [ النازعات : 6 - 7 ] ، وساق قوله : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] . واختلف في الأثقال ما هي على ثلاثة أقوال : فقيل : موتاها . وقيل : كنوزها ، وقيل : التحدث بما عمل عليها الإنسان . ولعل الأول أرجح هذه الثلاثة ، لأن إخراج كنوزها سيكون قبل النفخة ، والتحدث بالأعمال منصوص عليه بذاته ، فليْس هو الأثقال . ورجحوا القول الأول لقوله تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً } [ المرسلات : 25 - 26 ] . وقالوا : الإنس والجن ثقلان على ظهرها ، فهما ثقل عليها ، وفي بطنها فهم ثقل فيها ، ولذا سميا بالثقلين . قال الفخر الرازي وابن جرير . وروي عن ابن عباس : أنه موتاها . وشبيه بذلك قوله : { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } [ الانشقاق : 3 - 4 ] ، ولا يبعد أن يكون الجميع إذا راعينا صيغة الجمع أثقالها ، ولم يقل ثقلها وإرادة الجمع مروية أيضاً عن ابن عباس . ذكره الألوسي ، وابن جرير عنه وعن مجاهد . وحكى الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه القولين في إملائه : أي موتاها ، وقيل : كنوزها وقوله تعالى : { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا } ، لفظ الإنسان هنا عام وظاهره أن كل إنسان يقول ذلك ، ولكن جاء ما يدل على أن الذي يقول ذلك هو الكافر . أما المؤمن فيقول : { هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ يس : 52 ] في قوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ يس : 51 - 52 ] . فالكافر يدعو بالويل والمؤمن يطمئن للوعد ، ومما يدل على أن الجواب من المؤمنين ، لا من الملائكة ، كما يقول بعض الناس ، ما جاء في آخر السياق قوله : { فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ } [ يس : 53 ] - أي كلا الفريقين - { لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 53 ] . وقوله : { مَا لَهَا } سؤال استيضاح ، وذهول من هول ما يشاهد . وقوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } ، التحديث هنا صريح في الحديث وهو على حقيقته ، لأن في ذلك اليوم تتغير أوضاع كل شيء وتظهر حقائق كل شيء ، وكما أنطق الله الجلود ينطق الأرض ، فتحدث بأخبارها ، { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [ فصلت : 21 ] ، وتقدم تفصيل ذلك عند أول سورة الحشر ، لأن الله أودع في الجمادات القدرة على الإدراك والنطق ، والمراد بإخبارها أنها تخبر عن أعمال كل إنسان عليها في حال حياته . ومما يشهد لهذا المعنى حديث المؤذن " لا يسمع صوته حجر ولا مدر إلا وشهد له يوم القيامة " ، وذكر ابن جرير وجهاً آخر ، وهو أن إخبارها هو ما أخرجته من أثقالها بوحي الله لها والأول أظهر لأنه يثبت معنى جديداً . ويشهد له الحديث الصحيح .