Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 104-109)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمعنى { قُلْ } أيها الرسول الكريم ، لجميع من ارتاب فى دينك . { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي } الذى جئتكم به من عند الله - تعالى - ، وترغبون فى تحويلى عنه ، فاعلموا أنى برئ من شككم ومن أديانكم التى أنتم عليها . وما دام الأمر كذلك ، فأنا " لا أعبد الذين تعبدون من دون الله " من آلهة باطلة فى حال من الأحوال . { وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ } - تعالى - الذى خلقكم و { ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } عند انقضاء آجالكم ، ويعاقبكم على كفركم . وقوله { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِين } تأكيد لإِخلاص عبادته - صلى الله عليه وسلم - لله وحده . أى وأمرت من قبل خالقى - عز وجل - بأن أكون من المؤمنين بأنه لا معبود بحق سواه . وأوثر الخطاب باسم الجنس " الناس " مع تصديره بحرف التنبيه ، تعميما للخطاب ، وإظهارا لكمال العناية بشأن المبلغ إليهم . وعبر عن شكهم " بإن " المفيدة لعدم اليقين ، مع أنهم قد شكوا فعلا فى صحة هذا الدين بدليل عدم إيمانهم به ، تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك فيه ، وتنزيها لساحة هذا الدين عن أن يتحقق الشك فيه من أى أحد ، وتوبيخا لهم على وضعهم الأمور فى غير مواضعها . وقدم - سبحانه - ترك عبادة الغير على عبادته - عز وجل - ، إيذانا بمخالفتهم من أول الأمر ، ولتقديم التخلية على التحلية . وتخصيص التوفى بالذكر ، للتهديد والترهيب ، أى ولكن أعبد الله الذى يتوفاكم فيفعل بكم ما يفعل من العذاب الشديد ، ولأنه أشد الأحوال مهابة فى القلوب . وقوله { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً … } معطوف على قوله { أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . و { حنيفا } حال من الدين أو من الوجه ، والحنيف هو المائل عن كل دين من الأديان إلى دين الإِسلام . وخص الوجه بالذكر ، لأنه أشرف الأعضاء . والمعنى أن الله - سبحانه - أمره بالاستقامة فى الدين . والثبات عليه ، وعدم التزلزل عنه بحال من الأحوال . قال الآلوسى " إقامة الوجه للدين ، كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته - تعالى - ، والإِعراض عما سواه ، فإن من أراد أن ينظر إلى شىء نظر استقصاء ، يقيم وجهه فى مقابلته ، بحيث لا يلتفت يمينا ولا شمالا ، إذ لو التفت بطلت المقابلة ، فلذا كنى به عن صرف العمل بالكلية إلى الدين ، فالمراد بالوجه الذات . أى " اصرف ذاتك وكليتك للدين … " . وقوله - تعالى - { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } تأكيد للأمر بإخلاص العبادة لله - تعالى - وحده . وهو معطوف على { أقم } . أى استقم على ما أنت عليه من إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده واثبت على ذلك ، ولا تكونن من الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى . ثم أضاف - سبحانه - إلى ذلك تأكيدا آخر فقال { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ } . أى ولا تدع من دون الله فى أى وقت من الأوقات { مَا لاَ يَنفَعُكَ } إذا دعوته لدفع مكروه أو جلب محبوب { وَلاَ يَضُرُّكَ } إذا تركته وأهملته . { فَإِن فَعَلْتَ } شيئا مما نهيناك عنه { فَإِنَّكَ إِذاً } تكون { مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } الذين ظلموا أنفسهم بإيرادها مورد المهالك ، لإشراكها مع الله - تعالى - آلهة أخرى . ثم بين - سبحانه - أنه وحده هو الضار والنافع فقال { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } . " المس " أعم من اللمس فى الاستعمال ، يقال مسه السوء والكبر والعذاب والتعب ، أى أصابه ذلك ونزل به . والضر اسم للألم والحزن وما يفضى إليهما أو إلى أحدهما ، كما أن النفع اسم للذة والسرور وما يفضى إليهما أو إلى أحدهما . والخير اسم لكل ما كان فيه منفعة أو مصلحة حاضرة أو مستقبلة . والمعنى { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ } كمرض وتعب وحزن ، فلا كاشف له ، أى لهذا الضر { إِلاَّ هُوَ } - سبحانه - . { وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ } كمنحة وغنى وقوة { فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } أى فلا يستطيع أحد أن يرد هذا الخير عنك . وعبر - سبحانه - بالفضل مكان الخير للإِرشاد إلى تفضله على عباده بأكثر مما يستحقون من خيرات . وقوله { يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أى يصيب بذلك الفضل والخير { مَن يَشَآءُ } إصابته { مِنْ عِبَادِهِ } . { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } أى وهو الكثير المغفرة والرحمة لمن تاب إليه ، وتوكل عليه ، وأخلص له العبادة . وفى معنى هذه الآية جاء قوله - تعالى - { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } وقال ابن كثير " وروى ابن عساكر عن أنس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اطلبوا الخير دهركم كله ، وتعرضوا لنفحات ربكم ، فإن لله نفحات من رحمته ، يصيب بها من يشاء من عباده ، واسألوه أن يستر عوراتكم ، ويؤمن روعاتكم " . ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بنداء آخر - أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يوجهه للناس فقال { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ … } . أى قل - يا أيها الرسول الكريم - مخاطبا جميع الناس ، سواء منهم من سمع نداءك أو من سيبلغه هذا النداء من بعدك قل لهم جميعا { قَدْ جَآءَكُمُ ٱلْحَقُّ } المتمثل فى كتاب الله وفى سنتى { مِن رَّبِّكُمْ } وليس من أحد سواه . { فَمَنُ ٱهْتَدَىٰ } إلى هذا الحق ، وعمل بمقتضاه { فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } أى فإنما تكون منفعة هدايته لنفسه لا لغيره . { وَمَن ضَلَّ } عن هذا الحق وأعرض عنه { فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } أى فإنما يكون وبال ضلاله على نفسه . { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } أى بحفيظ يحفظ أموركم ، وإنما أنا بشير ونذير والله وحده هو الذى يتولى محاسبتكم على أعمالكم . ثم أمره - سبحانه - باتباع ما أوحاه إليه فقال { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِين } . أى { وَٱتَّبِعْ } - أيها الرسول الكريم - فى جميع شئونك { مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } من ربك من تشريعات حكيمة ، وآداب قويمة … { وَٱصْبِرْ } على مشاق الدعوة وتكاليفها … { حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ } بينك وبين قومك ، { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِين } . لأنه هو العليم بالظواهر والبواطن ، وهو الذى لا معقب لحكمه . وبعد فهذه هى سورة يونس - عليه السلام - رأينا ونحن نفسرها كيف أقامت الأدلة على وحدانية الله - عز وجل - وعلى كمال قدرته ، وشمول علمه ، ونفاذ إرادته ، وسعة رحمته ، وسمو عزته … وكيف أنها أقامت الأدلة - أيضاً - على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عنده - سبحانه . وكيف أنها ساقت الأدلة على أن يوم القيامة حق ، وعلى أحوال الناس فيه ، مما يرقق القلوب القاسية ، ويبعث فى النفوس الخشية وحسن الاستعداد لهذا اليوم الهائل الشديد ، وكيف أنها ساقت جانبا من أحوال بعض الأنبياء مع أممهم ، وقررت سنة من سنن الله التى لا تتخلف ، وهى نجاة رسل الله والمؤمنين بهم ، وجعل الرجس على الذين لا يعقلون . وكيف أنها بينت أحوال الناس فى السراء والضراء … بيانا صادقا قوياً مؤثراً ، من شأنه أن يحملهم على التحلى بالأخلاق الكريمة والتخلى عن الأخلاق الذميمة .