Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 98-103)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال القرطبى ما ملخصه " روى فى قصة يونس - عليه السلام - عن جماعة من المفسرين ، أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل - بالعراق - وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله إليهم يونس يدعوهم إلى الإِسلام ، وترك ما هم عليه فأبوا ، فقيل إنه قام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم . فقيل له أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ففعل . وقالوا هو رجل لا يكذب فارقبوه ، فإن أقام معكم وبين أظهركم فلا عليكم ، ون ارتحل عنكم ، فهو نزول العذاب لا شك … فلما كان الليل تزود يونس وخرج عنهم ، فأصبحوا فلم يجدوه ، فآمنوا وتابوا ، ودعوا الله ولبسوا المسوح ، وفرقوا بين الأمهات والأولاد من الناس والبهائم ، وردوا المظالم … قال الزجاج إنهم لم يقع بهم العذاب ، وإنما رأوا العلامة التى تدل على العذاب ، ولو رأوا العذاب لما نفعهم الإِيمان " . وكلمة { لولا } فى قوله - سبحانه - { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ … } للحث والتحضيض ، فهى بمعنى هلا . والمقصود بالقرية أهلها وهم أقوام الأنبياء السابقين ، وهى اسم كان . وقوله { آمنت } خبرها . وقوله { فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا } معطوف على { آمنت } . والمعنى فهلا عاد المكذبون إلى رشدهم وصوابهم ، فآمنوا بالحق الذى جاءتهم به رسلهم ، فنجوا بذلك من عذاب الاستئصال الذى حل بهم فقطع دابرهم ، كما نجا منه قوم يونس - عليه السلام - فإنهم عندما رأوا أمارات العذاب الذى أنذرهم به نبيهم آمنوا وصدقوا ، فكشف الله عنهم هذا العذاب الذى كاد ينزل بهم ، ومتعهم بالحياة المقدرة لهم ، إلى حين انقضاء آجالهم فى هذه الدنيا . قال الإِمام الشوكانى والاستثناء بقوله { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ … } منقطع ، وهو استثناء من القرية لأن المراد أهلها . والمعنى فهلا قرية واحدة من القرى التى أهلكناها آمنت إيمانا معتدا به - وذلك بأن يكون خالصا لله - قبل معاينة العذاب ، ولم تؤخره كما أخره فرعون ، لكن قوم يونس " لما آمنوا " إيمانا معتدا به قبل معاينة العذاب ، أو عند أول المعاينة قبل حلوله بهم " كشفنا عنهم عذاب الخزى " أى الذل والهوان . وقيل يجوز أن يكون متصلا ، والجملة فى معنى النفى ، كأنه قيل " ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس … " وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه " وما يرويه بعض المفسرين هنا من أن العذاب نزل عليهم ، وجعل يدور على رءوسهم … ونحو هذا ، ليس له أصل لا فى القرآن ولا فى السنة … وفى الآية إشارة إلى أنه لم توجد قرية آمنت بأجمعها بنبيها المرسل إليها من سائر القرى ، سوى قوم يونس . والبقية دأبهم التكذيب ، كلهم أو أكثرهم ، كما قال - تعالى - { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } وفى الحديث الصحيح " عرض على الأنبياء ، فجعل النبى يمر ومعه الفئام من الناس - أى العدد القليل - والنبى معه الرجل ، والنبى معه الرجلان ، والنبى ليس معه أحد " . وفى الآية الكريمة - أيضاً - تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من حزن بسبب إعراض قومه عن دعوته ، وفيها كذلك تعريض بأهل مكة ، وإنذارهم من سوء عاقبة الإِصرار على الكفر والجحود ، وحض لهم على أن يكونوا كقوم يونس - عليه السلام - الذين آمنوا قبل نزول العذاب فنفعهم إيمانهم . ثم أضاف - سبحانه - إلى هذه التسلية لرسوله - صلى الله عليه وسلم - تسلية أخرى فقال { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً … } ومفعول المشيئة محذوف والتقدير ولو شاء ربك - يا محمد - إيمان أهل الأرض كلهم جميعا لآمنوا دون أن يتخلف منهم أحد ، ولكنه - سبحانه - لم يشأ ذلك ، لأنه مخالف للحكمة التى عليها أساس التكوين والتشريع ، والإِثابة والمعاقبة ، فقد اقتضت حكمته - سبحانه - أن يخلق الكفر والإِيمان ، وأن يحذر من الكفر ويحض على الإِيمان ، ثم بعد ذلك من كفر فعليه تقع عقوبة كفره ، ومن آمن فله ثواب إيمانه . والهمزة فى قوله - سبحانه - { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } للاستفهام الإِنكارى ، والفاء للتفريع . والمراد بالناس المصرين على كفرهم وعنادهم . والمعنى تلك هى مشيئتنا لو أردنا إنفاذها لنفذناها ، ولكننا لم نشأ ذلك فهل أنت يا محمد فى وسعك أن تكره الناس الذين لم يرد الله هدايتهم على الإِيمان ؟ لا ، ليس ذلك فى وسعك ولا فى وسع الخلق جميعا ، بل الذى فى وسعك هو التبليغ لما أمرناك بتبليغه . وفى هذه الجملة الكريمة تسلية أخرى للرسول - صلى الله عليه وسلم - ودفع لما يضيق به صدره ، من إعراض بعض الناس عن دعوته . وقوله - سبحانه - { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ … } تأكيد لما اشتملت عليه الآية السابقة من قدرة نافذة لله - تعالى - أى " وما صح وما استقام لنفس من الأنفس ، أن تؤمن فى حال من الأحوال ، إلا بإذن الله " أى إلا بإرادته ومشيئته وتوفيقه وهدايته . وقوله { وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } . معطوف على محذوف يدل عليه الكلام السابق دلالة الضد على الضد ، والرجس يطلق على الشىء القبيح المستقذر . والمعنى وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ، فيأذن لمن يشاء من تلك الأنفس بالإِيمان ، ويجعل الرجس أى الكفر وما يترتب عليه من عذاب على القوم الذين لم يستعملوا عقولهم فيما يهدى إلى الحق والخير ، بل استعملوها فيما يوصل إلى الأباطيل والشرور . ولما كان التأمل فى ملكوت السماوات والأرض ، يعين على التفكير السليم ، وعلى استعمال العقل فيما يهدى إلى الحق والخير ، أمر الله - تعالى - الناس بالنظر والاعتبار فقال - سبحانه - { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } أى قل - أيها الرسول الكريم - لقومك انظروا وتأملوا وتفكروا فيما اشتملت عليه السماوات من شموس وأقمار ، وكواكب ونجوم ، وسحاب وأمطار … وفيما اشتملت عليه الأرض من زروع وأنهار ، ومن جبال وأشجار ، ومن حيوانات ودواب متنوعة . انظروا إلى كل ذلك وتفكروا ، فإن هذا التفكر يهدى أصحاب العقول السليمة إلى أن لهذا الكون إلها واحدا عليما قديرا ، هو وحده المستحق للعبادة والطاعة . وقوله { وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } توبيخ للغافلين عن النظر السليم الذى يؤدى إلى الهداية . و { ما } نافية ، والمراد بالآيات ما أشار إليه - سبحانه - قبل ذلك بقوله { مَاذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } والنذر جمع نذير ، وهو من يخبر غيره بأمر مخوف حتى يحذره . والمعنى انظرو وتفكروا واعتبروا بما فى السماوات والأرض من آيات بينات دالة على وحدانية الخالق وقدرته . ومع ذلك فإن الآيات مهما اتضحت ، والنذر مهما تعددت ، لا تجدى شيئا ، بالنسبة لمن تركوا الإِيمان ، وأصروا على الجحود والعناد . ويجوز أن تكون { ما } للاستفهام الإِنكارى ، فيكون المعنى وأى شىء تجدى الآيات السماوية والأرضية ، والنذر بحججها وبراهينها ، أمام قوم جاحدين معاندين ، قد استحبوا الكفر على الإِيمان ؟ ثم ساق - سبحانه - للمكذبين برسوله - صلى الله عليه وسلم - تهديدا يخلع قلوبهم فقال { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } . قال القرطبى " الأيام هنا بمعنى الوقائع ، يقال فلان عالم بأيام العرب أى بوقائعهم قال قتادة يعنى وقائع الله فى قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ، والعرب تسمى العذاب أياما والنعم أياما ، كقوله - تعالى - { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } وكل ما مضى لك من خير أو شر فهو أيام " . والمعنى إذا كان الأمر كما قصصنا عليك من إثابتنا للمؤمنين ، وجعل الرجس على الذين لا يعقلون ، فهل ينتظر هؤلاء المكذبين لدعوتك ، إلا العذاب الذى نزل بالمكذبين لدعوة الرسل من قبلك ؟ فالاستفهام للتهكم والتقريع . وقوله { قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } أمر من الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يستمر فى تهديدهم ووعيدهم . أى قل - يا محمد - لهؤلاء الجاحدين للحق الذى جئت به إذاً فانتظروا العذاب الذى نزل بالسابقين من أمثالكم ، وإنى معكم من المنتظرين لوعد ربى لى ، ولوعيده لكم . ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة ببيان سنة من سننه التى لا تتخلف ولا تتبدل فقال { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . والجملة الكريمة عطف على محذوف ، والتقدير تلك سنتنا فى خلقنا نهلك الأمم المكذبة { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا } الذين أرسلناهم لإِخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان ، وننجى - أيضا - الذين آمنوا برسلنا وصدقوهم وقوله { كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الكاف فى { كذلك } بمعنى مثل ، وهى صفة لمصدر محذوف ، واسم الإِشارة يعود على الإِتجاه الذى تكفل الله به للرسل السابقين ولمن آمن بهم ولفظ { حقا } منصوب بفعل مقدر أى حق ذلك علينا حقا أى مثل ذلك الإِنجاء الذى تكفلنا به لرسلنا ولمن آمن بهم ، ننج المؤمنين بك - أيها الرسول الكريم - ، ونعذب المصرين على تكذيبك ، وهذا وعد أخذناه على ذاتنا فضلا منا وكرما . { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } وبذلك ترى الآيات الكريمة قد حضت الضالين على الاقتداء بقوم يونس - عليه السلام - لكى ينجوا من العذاب ، وذكرتهم بنفاذ إرادة الله وقدرته ، ودعتهم إلى التفكر فى ملكوت السماوات والأرض ، وأخبرتهم بأن سنة الله ماضية فى إنجاء المؤمنين ، وفى إهلاك المكذبين . وبعد هذا الحديث المتنوع الذى زخرت به سورة يونس - عليه السلام - عن وحدانية الله وقدرته ، وعن صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وعن النفس الإِنسانية وأحوالها ، وعن يوم القيامة وأهوالها … بعد كل ذلك وجهت فى ختامها نداءين إلى الناس أمرتهم فيهما بإخلاص العبادة لله - تعالى - وبالاعتماد عليه وحده ، وبتزكية نفوسهم … استمع إلى السورة الكريمة فى ختامها وهى تقول { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ … }