Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 90-93)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله سبحانه - { وَجَاوَزْنَا } هو من جاوز المكان ، إذا قطعه وتخطاه وخلفه وراء ظهره وهو متعد بالباء إلى المفعول الأول الذى كان فاعلا فى الأصل ، وإلى الثانى بنفسه . والمراد بالبحر هنا بحر القلزم ، وهو المسمى الآن بالبحر الأحمر . وقوله { بَغْياً وَعَدْواً } أى ظلما واعتداء . يقال بغى فلان على فلان بغيا ، إذا تطاول عليه وظلمه . ويقال عدا عليه عَدْواً وعدوانا إذا سلبه حقه . وهما مصدران منصوبان على الحالية بتأويل اسم الفاعل . أى باغين وعادين . أو على المفعولية لأجله أى من أجل البغى والعدوان . والمعنى وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر ، وهم تحت رعايتنا وقدرتنا ، حيث جعلناه لهم طريقا يبسا ، فساروا فيه حتى بلغوا نهايته ، فأتبعهم فرعون وجنوده لا لطلب الهداية والإِيمان ، ولكن لطلب البغى والعدوان . قال الآلوسى " وذلك أن الله - تعالى - لما أخبر موسى وهارون - عليهما السلام - بإجابته دعوتهما ، أمرهما بإخراج بنى إسرائيل من مصر ليلا ، فخرجا بهم على حين غفلة من فرعون وملئه ، فلما أحس بذلك ، خرج هو وجنوده على أثرهم مسرعين ، فالتفت القوم فإذا الطامة الكبرى وراءهم ، فقالوا يا موسى ، هذا فرعون وجنوده وراءنا . وهذا البحر أمامنا فكيف الخلاص ، فأوحى الله - تعالى - إلى موسى ، أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه فانلفق اثنى عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم ، وصار لكل سبط طريق فسلكوا ، ووصل فرعون ومن معه إلى الساحل وبنو إسرائيل قد خرجوا من البحر ومسلهكم باق على حاله ، فسلكه فرعون وجنوده ، فلما دخل آخرهم وهم أولهم بالخروج من البحر ، انطبق عليهم وغشيهم من اليم ما غشيهم " . ثم حكى - سبحانه - ما قاله فرعون عندما نزل به قضاء الله الذى لا يرد فقال - تعالى - { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } . أى لقد اتبع فرعون وجنوده بنى إسرائيل بغيا وعدوا ، فانطبق عليه البحر ، ولفه تحت أمواجه ولججه ، حتى إذا أدركه الغرق وعاين الموت وأيقن أنه لا نجاة له منه ، قال آمنت وصدقت . بأنه لا معبود بحق سوى الإِله الذى آمنت به بنو إسرائيل ، وأنا من القوم الذين أسلموا نفوسهم لله وحده وأخلصوها لطاعته . ولما كان هذا القول قد جاء فى غير أوانه ، وأن هذا الإِيمان لا ينفع لأنه جاء عند معاينة الموت ، فقد رد الله - تعالى - على فرعون بقوله - سبحانه - { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } . أى آلآن تدعى الإِيمان حين يئست من الحياة ، وأيقنت بالموت ، والحال أنك كنت قبل ذلك من العصاة المفسدين فى الأرض ، المصرين على تكذيب الحق الذى جاءكم به رسولنا موسى - عليه السلام - والظرف " آلآن " متعلق بمحذوف متأخر ، والاستفهام للتقريع والتوبيخ والإِنكار . وقوله { وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } جملة حالية من فاعل الفعل المقدر ، أى آلآن تدعى الإِيمان والحال أنك عصيت قبل وكنت من المفسدين . قال الإِمام ابن كثير " وهذا الذى حكاه الله - تعالى - عن فرعون من قوله هذا فى حاله ذاك . من أسرار الغيب التى أعلم الله - تعالى - بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولهذا قال الإِمام أحمد بن حنبل - رحمه الله . حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن على بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لما قال فرعون آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل ، قال جبريل لى يا محمد لو رأيتنى وقد أخذت حالا من حال البحر - أى طينا أسود من طين البحر - فدسسته فى فمه مخافة أن تناله الرحمة " . ورواه الترمذى ، وابن جرير ، وابن أبى حاتم فى تفاسيرهم ، من حديث ، حماد بن سلمة وقال الترمذى حديث حسن . ثم ساق ابن كثير بعد ذلك جملة من الأحاديث فى هذا المعنى " . وقوله - سبحانه - { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً … } تهكم به ، وتخييب لآماله ، وقطع لدابر أطماعه ، والمعنى إن دعواك الإِيمان الآن مرفوضة ، لأنها جاءت فى غير وقتها ، وإننا اليوم بعد أن حل بك الموت ، نلقى بجسمك الذى خلا من الروح على مكان مرتفع من الأرض لتكون عبرة وعظة للأحياء الذين يعيشون من بعدك سواء أكانوا من بنى إسرائيل أم من غيرهم ، حتى يعرف الجميع بالمشاهدة أو الإِخبار ، سوء عاقبة المكذبين ، وأن الألوهية لا تكون إلا لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد . قال الإِمام الشوكانى " قوله { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ … } قرئ ننجيك بالتخفيف ، والجمهور على التثقيل . أى نلقيك على نجوة من الأرض . وذلك ان بنى إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون قد غرق ، وقالوا هو أعظم شأنا من ذلك ، فألقاه الله على نجوة من الأرض أى مكان مرتفع من الأرض حتى شاهدوه . ومعنى { ببدنك } بجسدك بعد سلب الروح منه . وقيل معناه بدرعك والدرع يسمى بدنا ، ومنه قول كعب بن مالك @ ترى الأبدان فيها مسبغات على الأبطال واليلب الحصينا @@ أراد بالأبدان الدروع - وباليلب - بفتح الياء واللام - الدروع اليمانية كانت تتخذ من الجلود . وقوله { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } تذييل قصد به دعوة الناس جميعا إلى التأمل والتدبر ، والاعتبار بآيات الله ، وبمظاهر قدرته . أى وإن كثيرا من الناس لغافلون عن آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا على إهلاك كل ظالم جبار . قال ابن كثير " وكان هلاك فرعون يوم عاشوراء . كما قال البخارى حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن أبى بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال قدم النبى - صلى الله عليه وسلم - المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون . فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموه " . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك بعض مظاهر نعمه على بنى إسرائيل بعد أن أهلك عدوهم فرعون فقال - تعالى - { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } . وقوله { بَوَّأْنَا } أى أنزلنا وأسكنا ، من التبوء ، وهو اتخاذ المباءة أى المنزل والمسكن . وفى إضافة ألمبوأ إلى الصدق مدح له ، فقد جرت عادة العرب على أنهم إذا مدحوا شيئا أضافوه إلى الصدق فقالوا رجل صدق إذا كان متحليا بمكارم الأخلاق . قال الآلوسى " والمراد بهذا المبوأ ، كما رواه ابن المنذر وغيره عن الضحاك الشام ومصر ، فإن بنى إسرائيل الذين كانوا فى زمان موسى - عليه السلام - وهم المرادون هنا ، ملكوا ذلك حسبما ذهب إليه جمع من الفضلاء . وأخرج أبو الشيخ وغيره عن قتادة أن المراد به الشام وبيت المقدس ، واختاره بعضهم ، بناء على أن أولئك لم يعودوا إلى مصر بعد ذلك . وينبغى أن يراد ببنى إسرائيل على القولين ، ما يشمل ذريتهم بناء على أنهم ما دخلوا الشام فى حياة موسى - عليه السلام - إنما دخلها أبناؤهم - بقيادة يوشع بن نون . وقيل المراد به أطراف المدينة إلى جهة الشام ، وببنى إسرائيل الذين كانوا على عهد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - . والمعنى ولقد أنزلنا بنى إسرائيل بعد هلاك عدوهم فرعون منزلا صالحا مرضيا ، فيه الأمان ، والأطمئنان لهم ، وأعطيناهم فوق ذلك الكثير من ألوان المأكولات والمشروبات الطيبات التى أحللناها لهم . وقوله { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ … } توبيخ لهم على موقفهم الجحودى من هذه النعم التى أنعم الله بها عليهم . أى أنهم ما تفرقوا فى أمور دينهم ودنياهم على مذاهب شتى ، إلا من بعد ما جاءهم العلم الحاسم لكل شبهة ، وهو ما بين أيديهم من الوحى الذى أمرهم الله - تعالى - أن يتلوه حق تلاوته ، وأن لا يستخدموه فى التأويلات الباطلة . فالجملة الكريمة توبخهم على جعلهم العلم الذى كان من الواجب عليهم أن يستعملوه - فى الحق والخير - وسيلة للاختلاف والابتعاد عن الطريق المستقيم . وقوله { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } تذييل قصد به الزجر عن الاختلاف واتباع الباطل . أى إن ربك يفصل بين هؤلاء المختلفين ، فيجازى أهل الحق بما يستحقونه من ثواب ، ويجازى أهل الباطل بما يستحقونه من عقاب . وبعد هذا الحديث المتنوع عن قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون وملئه ، ومع قومه بنى إسرائيل ، وجه القرآن خطابا إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - تثبيتا لقلبه ، وتسلية له عما أصابه من أذى ، فقال - تعالى - { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ … }