Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 94-97)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمراد { مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } هنا ما أوحاه الله - تعالى - إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - من قصص حكيم يتعلق بأنبياء الله - تعالى - ورسله . قال الآلوسى " وخصت القصص بالذكر ، لأن الأحكام المنزلة عليه - صلى الله عليه وسلم - ناسخة لأحكامهم ، ومخالفة لها فلا يتصور سؤالهم عنها " . والمراد بالكتاب جنسه فيشمل التوراة والإِنجيل . والمعنى فإن كنت أيها الرسول الكريم - على سبيل الفرض والتقدير - فى شك مما أنزلنا إليك من قصص حكيم كقصة موسى ونوح وغيرهما { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } وهم علماء أهل الكتاب ، فإن ما قصصناه عليك ثابت فى كتبهم . فليس المراد من هذه الآية ثبوت الشك للرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنما المراد على سبيل الفرض والتقدير ، لا على سبيل الثبوت . قال ابن كثير " قال قتادة بن دعامة بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " لا أشك ولا أسأل " . وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصرى ، وهذا فيه تثبيت للأمة ، وإعلام لهم بأن صفة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - موجودة فى الكتب المتقدمة التى بأيدى أهل الكتاب ، كما قال - تعالى - { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ … } وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى شأن عيسى - عليه السلام - { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ … } فعيسى - عليه السلام - يعلم علم اليقين أنه لم يقل ذلك ، وإنما يفرض قوله فرضا . ليستدل عليه بأنه لو قاله لعلمه الله - تعالى - منه . أى إن كنت قلته - على سبيل الفرض والتقدير - فقولى هذا لا يخفى عليك . قال صاحب الكشاف ما ملخصه فإن قلت كيف قال الله - تعالى - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ … } ؟ قلت هو على سبيل الفرض والتمثيل . كأنه قيل فإن وقع لك شك - مثلا - وخيل لك الشيطان خيالا منه تقديرا { فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ } . والمعنى أن الله - عز وجل - قدم ذكر بنى إسرائيل ، وهم قرأة الكتاب ووصفهم بأن العلم قد جاءهم ، لأن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكتوب عندهم فى التوراة والإِنجيل ، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فأراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن ، وصحة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويبالغ فى ذلك فقال فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا . فسل علماء أهل الكتاب يعنى أنهم من الإِحاطة بصحة ما أنزل إليك ، بحيث يصلحون لمراجعة مثلك ، فضلا عن غيرك . فالغرض وصف الأحبار بالرسوخ فى العلم بصحة ما أنزل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا وصفه بالشك فيه . ويجوز أن يكون على طريق التهييج والإِلهاب كقوله { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ … } ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - عند نزوله " لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق " . وقيل خوطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمراد خطاب أمته . ومعناه " فإن كنتم فى شك مما أنزلنا إليكم … " . وقوله { لقد جآءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } كلام مستأنف مؤكد لاجتثاث إرادة الشك . والتقدير أقسم لقد جاءك الحق الذى لا لبس فيه من ربك لا من غيره ، فلا تكونن من الشاكين المترددين فى صحة ذلك . وقوله { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } تعريض بأولئك الشاكين والمكذبين له - صلى الله عليه وسلم - من قومه . أى ولا تكونن من القوم الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صدقك فيما تبلغه عنا ، فتكون بذلك من الخاسرين الذين أضاعوا دنياهم وأخراهم . قال الآلوسى " وفائدة النهى فى الموضعين التهييج والإِلهاب نظير ما مر . والمراد بذلك الإِعلام بأن الامتراء والتكذيب قد بلغا فى القبح والمحذورية إلى حيث ينبغى أن ينهى عنهما من لا يمكن أن يتصف بهما ، فكيف بمن يمكن اتصافه بذلك … " وقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ . وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } توبيخ للكافرين على إصرارهم على الكفر ، وجحودهم للحق . والمراد بكلمة ربك حكمه النافذ ، وقضاؤه الذى لا يرده ، وسنته التى لا تتغير ولا تتبدل فى الهداية والإِضلال . والمراد بالآية المعجزات والبراهين الدالة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - . أى إن الذين حكم الله - تعالى - عليهم بعدم الإِيمان - لأنهم استحبوا العمى على الهدى - لا يؤمنون بالحق الذى جئت به - أيها الرسول الكريم … مهما سقت لهم من معجزات وبراهين دالة على صدقك … ولكنهم سيؤمنون بأن ما جئت به هو الحق ، حين يرون العذاب الأليم وقد نزل بهم من كل جانب . وهنا سيكون إيمانهم كلا إيمان ، لأنه جاء فى غير وقته ، وصدق الله إذ يقول { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا … } وسيكون حالهم كحال فرعون ، الذى عندما أدركه الغرق قال آمنت . وبذلك ترى الآيات الكريمة قد نهت عن الشك والافتراء فى شأن الحق الذى جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأبلغ أسلوب ، وأقوى بيان ، كما بينت سنة من سنن الله فى خلقه ، وهى أن من لا يأخذ بأسباب الهدى لا يهتدى ، ومن لا يفتح بصيرته للنور لا يراه ، فتكون نهايته إلى الضلال ، مهما تكن الآيات والبينات الدالة على طريق الحق . ثم فتحت السورة الكريمة للمكذبين باب الأمل والنجاة ، فذكرتهم بقوم يونس - عليه السلام - الذين نجوا من العذاب بسبب إيمانهم ، كما ذكرتهم بإرادة الله التامة ، وقدرته النافذة ، ودعتهم إلى الاعتبار والاتعاظ بما اشتمل عليه هذا الكون . استمع إلى السورة الكريمة وهى تسوق كل ذلك وغيره بأسلوبها البليغ المؤثر فتقول { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا … } .