Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 12-12)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الفخر الرازى - رحمه الله - روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما أن رؤساء مكة قالوا يا محمد ، اجعل لنا جبال مكة ذهبا إن كنت رسولا . وقال آخرون " ائتنا بالملائكة يشهدون بنبوتك . فقال لا أقدر على ذلك فنزلت هذه الآية " . ولفظ { لعل } - كما يقول الآلوسى - للترجى ، وهو يقتضى التوقع ، ولا يلزم من توقع الشئ وقوعه ولا ترجح وقوعه ، لجواز أن يوجد ما يمنع منه ، فلا يشكل بأن توقع ترك التبليغ منه - صلى الله عليه وسلم - مما لا يليق بمقام النبوة ، لأن المانع منه هنا ثبوت عصمته - صلى الله عليه وسلم - عن كتم شئ أمر بتبليغه … والمقصود بهذا الأسلوب هنا تحريضه - صلى الله عليه وسلم - وتهييج داعيته لأداء الرسالة ، ويقال نحو ذلك فى كل توقع نظير هذا التوقع " . و { تارك } اسم فاعل من الفعل ترك ، و { ضائق } اسم فاعل من الفعل ضاق ، وهو معطوف على { تارك } . والمراد ببعض ما يوحى إليه - صلى الله عليه وسلم - فى قوله - سبحانه - { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } ما أنزل عليه من قرآن فيه استهزاء بآلهتهم ، وتسفيه لعقولهم التى استساغت أن تشرك مع الله - تعالى - فى عبادتها آلهة أخرى " . والضمير المجرور فى قوله - سبحانه - { وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } يعود إلى بعض الموحى به ، وقيل يعود للتبليغ ، وقيل للتكذيب . وجملة { أَن يَقُولُواْ } فى محل نصب على أنها مفعول لأجله ، أى كراهة أو خشية أن يقولوا . والكنز يطلق على المال الكثير المجموع بعضه إلى بعض سواء أكان فى بطن الأرض أم فى ظهرها ، ومرادهم بإنزاله هنا أن ينزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - من السماء مال كثير يغنيه هو وأصحابه ، ويجعلهم فى رغد من العيش ، بدل ما يبدو على بعضهم من فقر وفاقة … والمعنى ليس خافيا علينا - أيها الرسول الكريم - ما يفعله المشركون معك ، من تكذيب لدعوتك ، ومن جحود لرسالتك ، ومن مطالب متعنته يطلبونها منك … ليس خافيا علينا شيئا من ذلك ، ولعلك إزاء مسالكهم القبيحة هذه ، تارك تبليغ بعض ما يوحى إليك ، وهو ما يثير غضبهم ، وضائق صدرك بهذا التبليغ ، كراهة تكذيبهم لوحى الله ، واستهزائهم بدعوتك ، وقولهم لك على سبيل التعنت هلا أنزل إليك من السماء مال كثير تستغنى به وتغنى أتباعك ، وهلا كان معك ملك يصاحبك فى دعوتك ، ويشهد أمامنا بصدقك ويؤيدك فى تحصيل مقصودك . لا - أيها الرسول الكريم - لا تترك شيئا من تبليغ ما أمرك الله بتبليغه لهؤلاء المشركين ، ولا يضيق صدرك بأفعالهم الذميمة ، وبأقوالهم الباطلة ، بل واصل دعوتك لهم إلى طريق الحق ، فما عليك إلا الإِنذار ، أما نحن فإلينا إيابهم ، وعلينا حسابهم . وعبر - سبحانه - عن تأثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مواقفهم المتعنتة باسم الفاعل { ضائق } لا بالصفة المشبهة " ضيق " لمراعاة المقابل وهو قوله { تارك } ، وللإِشارة إلى أن هذا الضيق مما يعرض له - صلى الله عليه وسلم - أحيانا ، وليس صفة ملازمة له ، لأن اسم الفاعل يقتضى الحدوث والانقطاع ، بخلاف الصفة المشبهة فتقتضى الثبات والدوام . وأبرز - سبحانه - هنا صفة الإِنذار للرسول - صلى الله عليه وسلم - مع أن وظيفته الإِنذار والتبشير ، لأن المقام هنا يستوجب ذلك ، إذ أن هؤلاء المشركين قد تجاوزوا كل حد فى الإِساءة إليه - صلى الله عليه وسلم - . وقوله - سبحانه - { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } تذييل قصد به زيادة تثبيته وتحريضه على المضى فى تبليغ دعوته . أى سر فى طريقك - أيها الرسول الكريم - غير مبال بما يصدر عنهم من مضايقات لك ، والله - تعالى - حافظ لأحوالك وأحوالهم ، وسيجازيهم بالجزاء الذى يتناسب مع جرائمهم وكفرهم . والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها تعبر أكمل تعبير عن الفترة الحرجة التى نزلت فيها هذه السورة الكريمة ، فقد سبق أن قلنا عند التعريف بها ، إنها نزلت فى الفترة التى أعقبت وفاة النصيرين الكبيرين للرسول - صلى الله عليه وسلم - وهما أبو طالب وخديجة - رضى الله عنها - وكانت هذه الفترة من أشق الفترات على الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث تكاثر فيها إيذاء المشركين له ولأصحابه … فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة تحث النبى - صلى الله عليه وسلم - على الثبات والصبر ، وعلى تبليغ ما يوحى إليه ، مع عدم المبالاة بما يضعه المشركون فى طرقه من عقبات … هذا ، وقد سبق أن بينا عند التعريف بهذه السورة - أيضا - أن من العلماء من يرى أن هذه الآية مدنية ، ولعلك معى - أيها القارئ الكريم - فى أنه لا يوجد أى دليل نقلى أو عقلى يؤيد ذلك ، بل الذى تؤيده الأدلة ويؤيده سبب النزول أن الآية مكية كبقية السورة . وهناك أيات أخرى مكية تشبه هذه الآية فى أسلوبها وموضوعها ، ومن هذه الآيات قوله - تعالى - { وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً . أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا … } ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك زعما آخر من مزاعمهم الكثيرة ، وهو دعواهم أن القرآن مفترى ، وتحداهم أن يأتوا بعشر سور من أمثال هذا القرآن فى زعمهم ، فقال - تعالى - { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ … } .