Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 8-11)
Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال القرطبى ما ملخصه الأمة اسم مشترك يقال على ثمانية أوجه فالأمة تكون الجماعة ، كقوله - تعالى - { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ … } والأمة أيضا أتباع الأنبياء عليهم السلام ، والأمة الرجل الجامع للخير الذى يقتدى به ، كقوله - تعالى - { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً } والأمة الدين والملة ، كقوله - تعالى - { إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } والأمة الحين والزمان كقوله - تعالى - { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } والأمة القامة وهو طول الإِنسان وارتفاعه ، يقال من ذلك فلان حسن الأمة ، أى القامة ، والأمة الرجل المنفرد بدينه وحده ، لا يشركه فيه أحد . قال - صلى الله عليه وسلم - " يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده " والأمة الأم . يقال " هذه أمة زيد ، أى أم زيد … " والمراد بالأمة هنا الحين والزمان والمدة . والمعنى ولئن أخرنا - بفضلنا وكرمنا - عن هؤلاء المشركين " العذاب " المقتضى لجحودهم لآياتنا ، وتكذيبهم لرسلنا " إلى أمة معدودة " أى إلى وقت معين من الزمان على حساب إرادتنا وحكمتنا " ليقولن " على سبيل التهكم والاستهزاء ، واستعجال العذاب ، " ما يحبسه " أى ما الذى جعل هذا العذاب الذى حذرنا منه محمد - صلى لله عليه وسلم - محبوسا عنا ، وغير نازل بنا … ولا شك أن قولهم هذا ، يدل على بلوغهم أقصى درجات الجهالة والطغيان ، حيث قابلوا رحمة الله - تعالى - المتمثلة هنا فى تأخير العذاب عنهم ، بالاستهزاء والاستعجال ، ولذا رد الله - تعالى - عليهم بقوله { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } أى ألا إن ذلك العذاب الذى استعجلوه واستخفوا به ، يوم ينزل بهم ، لن يصرفه عنهم صارف ، ولن يدفعه عنهم دافع ، بل سيحيط بهم من كل جانب ، بسبب استهزائهم به وإعراضهم عمن حذرهم منه . واللام فى قوله { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ } موظئة للقسم ، وجواب القسم قوله " ليقولن ما يحبسه " . والأقرب إلى سياق الآية أن يكون المراد بالعذاب هنا عذاب الاستئصال الدنيوى ، إذ هو الذى استعجلوا نزوله ، أما عذاب الآخرة فقد كانوا منكرين له أصلا ، كما حكى عنهم - سبحانه - فى الآية السابقة فى قوله { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } قال الآلوسى والظاهر بأن المراد العذاب الشامل للكفرة ، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة قال لما نزل { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } قال ناس إن الساعة قد اقتربت فتناهوا ، فتناهى القوم قليلا ، ثم عادوا إل أعمالهم السوء فأنزل الله - تعالى - { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } فقال أناس من أهل الضلالة هذا أمر الله - تعالى - قد أتى ، فتناهى القوم ثم عادوا إلى مكرهم مكر السوء ، فأنزل الله هذه الآية " . وفى قوله - سبحانه - { إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } إيماء إلى أن تأخير العذاب عنهم ليس لمدة طويلة ، لأن ما يحصره العد جرت العادة فى أساليب العرب أن يكون قليلا ، ويؤيد ذلك أنه بعد فترة قليلة من الزمان نزل بهم فى غزوة بدر القتل الذى أهلك صناديهم ، والأسر الذى أذل كبرياءهم . وافتتحت جملة { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } بأداة الاستفتاح { ألا } للاهتمام بمضون الخبر ، وللإِشارة إلى تحقيقه ، وإدخال الروع فى قلوبهم . وعبر بالماضى { حاق } مع أنه لم ينزل بهم بعد ، للإِشارة ، إلى أنه آت لا ريب فيه ، عندما يأذن الله - تعالى - بذلك . ثم بين - سبحانه - جانبا من طبيعة بنى آدم إلا من عصم الله فقال - تعالى - { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ … } والمراد بالإِنسان هنا الجنس على أرجح الأقوال ، فيشمل المسلم وغيره ، بدليل الاستثناء الآتى بعد ذلك فى قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } قال الفخر الرازى ما ملخصه المراد بالإِنسان هنا مطلق الإِنسان ويدل عليه وجوه الأول أنه - تعالى - استثنى منه قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل ، فثبت أن الإِنسان المذكور فى هذه الآية داخل فيه المؤمن والكافر . الثانى أن هذه الآية موافقة على هذا التقرير لقوله - سبحانه - { وَٱلْعَصْرِ . إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ . إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } الثالث أن مزاج الإِنسان مجبول على الضعف والعجز . قال ابن جريج فى تفسير هذه الآية " يا بن آدم إذا نزلت بك نعمة من الله فأنت كفور ، فإذا نزعت منك فيؤوس قنوط " . وقيل المراد بالإنسان هنا جنس الكفار فقط ، لأن هذه الأوصاف تناسبهم وحدهم . والمراد بالرحمة هنا رحمة الدنيا ، وأطلقت على أثرها وهو النعمة كالصحة والغنى والأمان وما يشبه ذلك من ألوان النعم . واليؤوس والكفور صيغتا مبالغة للشخص الكثير اليأس ، والكفر ، والقنوط الشديد الجحود لنعم الله - تعالى - يقال يئس من الشئ ييأس ، إذا قنط منه . والمعنى ولئن منحنا الإِنسان - بفضلنا وكرمنا - بعض نعمنا ، كالصحة والغنى والسلطان والأمان { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ } أى ثم سلبناها منه ، لأن حكمتنا تقتضى ذلك . { إنه } فى هذه الحالة { لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } أى لشديد اليأس والقنوط من أن يرجع إليه ما سلب منه أو مثله ، ولكثير الكفران والجحود لما سبق أن تقلب فيه من نعم ومنن . قال الشوكانى وفى التعبير بالذوق ما يدل على أنه يكون منه ذلك عند سلب أدنى نعمة ينعم الله بها عليه " لأن الإِذاقة والذوق أقل ما يوجد به الطعم " . وفى قوله " ثم نزعناها منه " إشارة إلى شدة تعلقه بهذه النعم ، وحرصه على بقائها معه . وجملة { إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } جواب القسم ، وأكدت بإن وباللام ، لقصد تحقيق مضمونها ، وأنه حقيقة ثابتة . وهى تصوير بليغ صادق لما يعترى نفس هذا الإِنسان عندما تسلب منه النعمة بعد أن ذاقها ، - فهو - لقلة إيمانه وضعف ثقته بربه - قد فقد كل أمل فى عودة هذه النعمة إليه ، ولكأن هذه النعمة التى سلبت منه لم يرها قبل ذلك . ثم بين - سبحانه - حالة هذا الإِنسان اليؤوس الكفور ، عندما تأتيه السراء بعد الضراء فقال { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } . والنعماء النعمة التى يظهر أثرها على صاحبها ، واختبر لفظ النعماء لمقابلته للضراء . والضراء ما يصيب الإِنسان من مصائب يظهر أثرها السئ عليه . والمراد بالسيئات الأضرار التى لحقته كالفقر والمرض . والمعنى ولئن أذقنا هذا الإِنسان اليؤوس الكفور { نعماء } بعد ضراء مسته كصحة بعد مرض ، وغنى بعد فقر ، وأمن بعد خوف ، ونجاح بعد فشل . { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ } أى ليقولن فى هذه الحالة الجديدة ببطر وأشر ، وغرور وتكبر ، لقد ولت المصائب عنى الأدبار ، ولن تعود إلى . وعبر - سبحانه - فى جانب الضراء بالمس ، للإِشارة إلى أن الإِصابة بها أخف مما تذوقه من نعماء ، وأن لطف الله شامل لعباده فى كل الأحوال . وجملة { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } جواب القسم . أى إنه لشديد الفرح والبطر بالنعمة كثير التباهى والتفاخر بما أعطى منها ، مشغول بذلك عن القيام بما يجب عليه نحو خالقه من شكر وثناء عليه - سبحانه - . وإنها - أيضا - لصورة صادقة لهذا الإِنسان العجول القاصر ، الذى يعيش فى لحظته الحاضرة ، فلا يتذكر فيما مضى ، ولا يتفكر فيما سيكون عليه حاله بعد الموت ، ولا يعتبر بتقلبات الأيام ، فهو يؤوس كفور إذا نزعت منه النعمة ، وهو بطر فخور إذا عادت إليه ، وهذا من أسوأ ما تصاب به النفس الإِنسانية من أخلاق مرذولة . وقوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ … } استثناء من هؤلاء الناس الذين لا يصبرون عند الشدة ، ولا يشكرون عند الرخاء . أى إلا الذين صبروا على النعمة كما صبروا على الشدة ، وعملوا فى الحالتين الأعمال الصالحات التى ترضى الله - تعالى - . { أُوْلَـٰئِكَ } الموصوفون بذلك { لَهُمْ } من الله - تعالى - { مَّغْفِرَةٌ } عظيمة تمسح ذنوبهم { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } منه - سبحانه - لهم . جزاء صبرهم الجميل ، وعملهم الصالح . وفى الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " والذى نفسى بيده ، لا يقضى الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد غير المؤمن " . ثم بين - سبحانه - بعض أقوال المشركين ، التى كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يضيق بها صدره ، ويحزن منها نفسه ، فقال - تعالى - { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ … } .