Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 69-76)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه قصة إبراهيم - عليه السلام - مع الملائكة الذين جاءوا لبشارته بابنه إسحاق ، وبإخباره بإهلاك قوم لوط - عليه السلام - . وقد وردت هذه القصة فى سور أخرى منها سورة الحجر فى قوله - تعالى - { وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ . إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ … } ومنها سورة الذاريات فى قوله - تعالى - { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ . إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ … } والمراد بالرسل فى قوله - سبحانه - { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ } جماعة من الملائكة الذين أرسلهم الله - تعالى - لتبشير إبراهيم بابنه إسحاق . وقد اختلفت الروايات فى عددهم فعن ابن عباس أنهم ثلاثة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل ، وعن الضحاك أنهم كانوا تسعة ، وعن السدى أنهم كانوا أحد عشر ملكاً … والحق أنه لم يرد فى عددهم نقل صحيح يعتمد عليه ، فلنفوض معرفة عددهم إلى الله - تعالى - . والبشرى اسم للتبشير والبشارة وهى الخبر السار ، فهى أخص من الخبر ، وسميت بذلك لأن آثارها تظهر على بشرة الوجه أى جلده . وجاءت هذه الجملة الكريمة بصيغة التأكيد للاهتمام بمضمونها ، وللرد على مشركى قريش وغيرهم ممن كان ينكر هذه القصة وأمثالها . والباء فى قوله - سبحانه - { بِٱلْبُـشْرَىٰ } للمصاحبة والملابسة ، أى جاءوه مصاحبين وملتبسين بالبشرى . وقوله { قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ } حكاية لتحيتهم له ولرده عليهم . { وسلاما } منصوب بفعل محذوف . أى قالوا نسلم عليك سلاما . { وسلام } مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف . أى قال أمرى سلام . وقرأ حمزة والكسائى قال سلم وهو اسم للمسالمة . ثم بين - سبحانه - ما فعل إبراهيم مع هؤلاء الرسل من مظاهر الحفاوة والتكريم فقال { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } . و " ما " فى قوله { فَمَا لَبِثَ } نافية ، والفاء للتعقيب ، واللبث فى المكان معناه عدم الانتقال عنه . والعجل الصغير من البقر . والحنيذ السمين المشوى على الحجارة المحماة فى حفرة من الأرض . يقال حنذ الشاة يحنذها حنذاً أى شواها بهذه الطريقة . أى فما أبطأ وما تأخر إبراهيم - عليه السلام - عن إكرامهم ، بل بمجرد أن انتهى من رد التحية عليهم ، أسرع إلى أهله فجاءهم بعجل حنيذ … وهذا الفعل منه - عليه السلام - يدل على سعة جوده ، وعظيم سخائه ، فإن من آداب الضيافة ، تعجيل القرى للضيف … قال أبو حيان والأقرب فى إعراب { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ … } أن تكون { ما } نافية ، ولبث معناه تأخر وأبطأ و { أَن جَآءَ } فاعل لبث والتقدير فما تأخر مجيئه … ويجوز أن يكون فاعل لبث ضمير إبراهيم ، وأن جاء على إسقاط حرف الجر ، أى فما تأخر فى أن جاء بعجل حنيذ . … " . ثم بين - سبحانه - حال إبراهيم عندما رأى ضيوفه لا يأكلون من طعامه فقال { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً … } . ومعنى { نَكِرَهُمْ } نفر منهم ، وكره تصرفهم . نقول فلان نكر حال فلان - كعلم - وأنكره نكراً ونكوراً … إذا وجده على غير ما يعهده فيه ، ويتوقعه منه . { وَأَوْجَسَ } من الوجس وهو الصوت الخفى ، والمراد به هنا الإِحساس الخفى بالخوف والفزع الذى يقع فى النفس عند رؤية ما يقلقها ويخيفها . أى فلما رأى إبراهيم - عليه السلام - ضيوفه لا تمتد أيديهم إلى الطعام الذى قدمه لهم ، نفر منهم ، وأحس فى نفسه من جهتهم خوفاً ورعباً لأن امتناع الضيف عن الأكل من طعام مضيفه - بدون سبب مقنع - يشعر بأن هذا الضيف ينوى شراً به … والتقاليد فى كثير من البلاد إلى الآن تؤيد ذلك . ولذا قالت الملائكة لإِبراهيم عندما لاحظوا ما يساور نفسه من الخوف { لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } أى لا تخف يا إبراهيم فإنا لسنا ضيوفا من البشر ، وإنما نحن رسل من الله - تعالى - أرسلنا إلى قوم لوط لإِهلاكهم . وقد جاء فى بعض الآيات أنه صارحهم بالخوف منهم ، ففى سورة الحجر قال - تعالى - { وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ . إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ . قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ … } ثم حكى - سبحانه - ما حدث بعد ذلك فقال { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } . والمراد بامرأته - كما يقول القرطبى - " سارة بنت هاران بن ناحور ، ابن شاروع ، بن أرغو ، ابن فالغ ، وهى بنت عم إبراهيم " . وقيامها كان لأجل قضاء مصالحها ، أو لأجل خدمة الضيوف … أو لغير ذلك من الأمور التى تحتاجها المرأة فى بيتها . والمراد بالضحك هنا حقيقته . أى فضحكت سروراً وابتهاجاً بسبب زوال الخوف عن إبراهيم ، أو بسبب علمها بأن الضيوف قد أرسلهم الله لإِهلاك قوم لوط ، أو بهما معا … قال الشوكانى والضحك هنا هو الضحك المعروف الذى يكون للتعجب والسرور كما قاله الجمهور . وقال مجاهد وعكرمة إنه الحيض ، ومنه قول الشاعر @ وإنى لآتى العرس عند طهورها وأهجرها يوماً إذا تك ضاحكا @@ وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون فى كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت . أى وفى أعقاب قول الملائكة لإِبراهيم لا تخف … كانت امرأته قائمة لقضاء بعض حاجاتها ، فلما سمعت ذلك " ضحكت " سروراً وفرحاً لزوال خوفه { فَبَشَّرْنَاهَا } عقب ذلك بمولودها { إسحاق } كما بشرناها بأن إسحاق سيكون من نسله { يعقوب } ، فهى بشارة مضاعفة . إذ أنها تحمل فى طياتها أنها ستعيش حتى ترى ابن ابنها … ولا شك أن المرأة عندما تكون قد بلغت سن اليأس . ولم يكن لها ولد ، ثم تأتيها مثل هذه البشارة يهتز كيانها ، ويزداد عجبها ، ولذا قالت على سبيل الدهشة والاستغراب { يَٰوَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } . وكلمة { يَٰوَيْلَتَىٰ } تستعمل فى التحسر والتألم والتفجع عند نزول مكروه . والمراد بها هنا التعجب لا الدعاء على نفسها بالويل والهلاك ، وهى كلمة كثيرة الدوران على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يدهشن له ، ويتعجبن منه . أى قالت بدهشة وعجب عندما سمعت بشارة الملائكة لها بالولد وبولد الولد يا للعجب أألد وأنا امرأة عجوز ، قد بلغت سن اليأس من الحمل منذ زمن طويل ، { وَهَـٰذَا بَعْلِي } أى زوجى إبراهيم " شيخا " كبيراً متقدماً فى السن . قال الجمل وهاتان الجملتان - { وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } - فى محل النصب على الحال من الضمير المستتر فى { أألد } ، وشيخاً حال من بعلى ، والعامل فيه اسم الإِشارة لما فيه من معنى الفعل " . وقوله - كما حكى القرآن عنها - { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } أى إن هذا الذى بشرتمونى به من حصول الولد لى فى تلك السن المتقدمة { لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } فى مجرى العادة عند النساء وقد رد عليها الملائكة بقولهم { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } ؟ ! ! أى أتستبعدين على قدرة الله - تعالى - أن يرزقك الولد وأنت وزوجك فى هذه السن المتقدمة ؟ لا إنه لا ينبغى لك أن تستبعدى ذلك ، لأن قدرة الله لا يعجزها شئ . فالاستفهام هنا المراد به إنكار تعجبها واستبعادها البشارة ، وإزالة أثر ذلك من نفسها إزالة تامة . وقوله { رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } حكاية لما قالته الملائكة لها ، زيادة فى سرورها وفى إدخال الطمأنينة على قلبها . أى رحمة الله الواسعة ، وبركاته وخيراته النامية عليكم أهل البيت الكريم وهو بيت إبراهيم - عليه السلام - . قال صاحب الكشاف وإنما أنكرت عليها الملائكة تعجبها ، لأنها كانت فى بيت الآيات ، ومهبط المعجزات ، والأمور الخارقة للعادات ، فكان عليها أن تتوقر ، ولا يزدهيها ما يزدهى سائر النساء الناشئات فى غير بيت النبوة وأن تسبح الله وتمجده ، مكان التعجب . وإلى ذلك أشارت الملائكة فى قولهم { رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } . أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة ، ويخصكم بالإِنعام به يا أهل بيت النبوة ، فليس بمكان عجب . والكلام مستأنف علل به إنكار التعجب . كأنه قيل " إياك والتعجب ، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم " . وقوله - سبحانه - { إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } تذييل بديع قصد به وجوب مداومتها على حمد الله وتمجيده على أن وهبها الولد بعد أن بلغت سن اليأس من الحمل . أى إنه - سبحانه - { حَمِيدٌ } أى مستحق للحمد لكثرة نعمه على عباده { مَّجِيدٌ } أى كريم واسع الإِحسان ، فليس بعيداً منه أن يعطى الولد للآباء بعد الكبر . قال صاحب المنار ما ملخصه وأصل المجد فى اللغة أن تقع الإِبل فى أرض واسعة المرعى ، كثيرة الخصب ، يقال مجدت الإِبل تمجد من باب نصر - مجداً ومجادة ، وأمجدها الراعى . والمجد فى البيوت والأنساب ما يعده الرجل من سعة كرم آبائه وكثرة نوالهم . ووصف الله كتابه بالمجيد ، كما وصف نفسه بذلك ، لسعة هداية كتابه ، وسعة كرمه وفضله على عباده … " ثم حكى - سبحانه - ما كان من إبراهيم بعد أن سكن خوفه ، واطمأن إلى ضيوفه فقال { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ } أى الخوف والفزع ، بسبب اطمئنانه إلى ضيوفه ، وعلمه أنهم ليسوا من البشر . { وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ } منهم بالولد ، واتصال النسل ، فازداد سرورا بهم . بعد كل ذلك ، أخذ إبراهيم { يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ } أى يجادل رسلنا ويحاورهم فى شأن قوم لوط ، وفى كيفية عقابهم ، بعد أن أخبروه بأنهم ذاهبون لإِهلاكهم . وأضاف - سبحانه - المجادلة إلى نفسه مع أنها كانت مع الملائكة ، لأن نزولهم لإِهلاك قوم لوط إنما كان بأمره - تعالى - ، فمجادلة إبراهيم لهم هى مجادلة فى تنفيذ أمره - تعالى - . وقال - سبحانه - { يجادلنا } مع أنها كانت فى الماضى ، لتصوير هذه الحالة فى الذهن تصويراً حاضراً ، حتى تزداد منه العبرة والعظة . وهذه المجادلة التى كانت بين إبراهيم وبين الملائكة الذين أرسلوا لإِهلاك قوم لوط ، قد حكاها - سبحانه - فى سورة العنكبوت فى قوله { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ } أى القرية التى يسكنها قوم لوط { إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ . قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } الآيتان 31 - 32 . وهذا التفسير للمجادلة التى دارت بين إبراهيم والملائكة فى عقاب قوم لوط هو الصحيح لأن خير تفسير للقرآن هو ما كان بالقرآن . وما ورد من أقوال تخالف ذلك فلا يلتفت إليها ، لعدم استنادها إلى النقل الصحيح . وقوله - سبحانه - { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } بيان للدواعى التى حملت إبراهيم - عليه السلام - على مجادلة الملائكة فى شأن إهلاك قوم لوط . والحليم هو الصبور على الأذى ، الصفوح عن الجناية ، المقابل لها بالإِحسان . والأواه هو الذى يكثر التأوه من خشية الله . قال الآلوسى وأصل التأوه قوله آه ونحوه مما يقوله المتوجع الحزين . وهو عند جماعة كناية عن كمال الرأفة ورقة القلب . وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وغيرهما عن عبد الله بن شداد قال رجل يا رسول الله ما الآواه ؟ قال " الخاشع المتضرع الكثير الدعاء " . والمنيب السريع الرجوع إلى الله - تعالى - بالتوبة والاستغفار . أى أن إبراهيم لصبور على الأذى ، صفوح عن الجناية ، كثير التضرع إلى الله ، سريع الرجوع إليه فى كل ما يحبه ويرضاه . ولكن حلم إبراهيم وإنابته … لم يرد قضاء الله العادل فى شأن قوم لوط ولذا قالت الملائكة له - كما حكى القرآن عنهم - { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } . أى قالت الملائكة لإِبراهيم { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ } الجدال فى أمر قوم لوط ، وفى طلب إمهال عقوبتهم { إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبَّكَ } بإهلاكهم { وإنهم } بسبب إصرارهم على ارتكاب الفواحش { آتِيهِمْ } من ربهم { عَذَابٌ } شديد { غَيْرُ مَرْدُودٍ } عنهم لا بسبب الجدال ولا بأى سبب سواه ، فإن قضاء الله لا يرد عن القوم المجرمين . هذا ، وقد ذكر الشيخ القاسمى بعض الفوائد والأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآيات فقال قال بعض المفسرين لهذه الآيات ثمرات وفوائد . منها أن حصول الولد المخصص بالفضل نعمة ، وأن هلاك العاصى نعمة - أيضاً - لأن البشرى قد فسرت بولادة إسحاق لقوله { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } وفسرت بهلاك قوم لوط ، لقوله { قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } . ومنها استحباب نزول المبشر - بالكسر - على المبشر - بالفتح - لأن الملائكة أرسلهم الله - تعالى - لذلك . ومنها أنه يستحب للمبشر أن يتلقى البشارة بالشكر لله - تعالى - على ما بشر به . فقد حكى عن الأصم أنه قال جاؤوه فى أرض يعمل فيها ، فلما فرغ غرز مسحاته ، وصلى ركعتين . ومنها أن السلام مشروع ، وأنه ينبغى أن يكون الرد أفضل لقول إبراهيم { سلام } بالرفع وهو أدل على الثبات والدوام . ومنها مشروعية الضيافة ، والمبادرة إليها ، واستحباب مبادرة الضيف بالأكل منها . ومنها استحباب خدمة الضيف ولو للمرأة ، لقول مجاهد وامرأته قائمة أى فى خدمة أضياف إبراهيم … وخدمة الضيفان من مكارم الأخلاق . ومنها جواز مراجعة الأجانب فى القول ، وأن صوتها ليس بعورة . ومنها أن امرأة الرجل من أهل بيته ، فيكون أزواجه - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته ومنها - كما يقول الإِمام ابن كثير - استدل على أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق ، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق ، لأنه وقعت البشارة به ، وأنه سيولد له يعقوب ، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير ، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده ، ووعد الله حق لا خلف فيه ، فيمتنع أن يؤمر بذبح إسحاق والحالة هذه ، فتعين أن يكون الذبيح إسماعيل ، وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عما دار بين لوط وبين الملائكة وبينه وبين قومه من حوار وجدال فقال - تعالى - { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً … }