Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 7-15)

Tafsir: at-Tafsīr al-wasīṭ li-l-Qurʾān al-Karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله - سبحانه - { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } شروع فى حكاية قصة يوسف مع إخوته ، بعد أن بين - سبحانه - صفة القرآن الكريم ، وبعد أن أخبر عما رآه يوسف فى منامه ، وما قاله أبوه له . وإخوة يوسف هم رأو بين ، وشمعون ، ولاوى ، ويهوذا ، ويساكر ، وزبولون ، ودان ، ونفتالى ، وجاد ، وأشير ، وبنيامين . والآيات جمع آية والمراد بها هنا العبر والعظات والدلائل الدالة على قدرة الله - تعالى - ووجوب إخلاص العبادة له . والمعنى لقد كان فى قصة يوسف مع إخوته عبر وعظات وعظيمة ، ودلائل تدل على قدرة الله القاهرة ، وحكمته الباهرة ، وعلى ما للصبر وحسن الطوية من عواقب الخير والنصر ، وعلى ما للحسد والبغى من شرور وخذلان . وقوله " للسائلين " أى لمن يتوقع منهم السؤال ، بقصد الانتفاع بما ساقه القرآن الكريم من مواعظ وأحكام . أى لقد كان فيما حدث بين يوسف وإخوته ، آيات عظيمة ، لكل من سأل عن قصتهم ، وفتح قلبه للانتفاع بما فيها من حكم وأحكام ، تشهد بصدق النبى - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه . وهذا الافتتاح لتلك القصة ، كفيل بتحريك الانتباه لما سيلقى بعد ذلك منها ، ومن تفصيل لأحداثها ، وبيان لما جرى فيها . وقوله - سبحانه - { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ … } . بيان لما قاله إخوة يوسف فيما بينهم ، قبل أن ينفذوا جريمتهم . و " إذ " ظرف متعلق بالفعل " كان " فى قوله - سبحانه - قبل ذلك { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ … } . واللام فى قوله { ليوسف } لتأكيد أن زيادة محبة أبيهم ليوسف وأخيه ، أمر ثابت ، لا يقبل التردد أو التشكك . والمراد بأخيه أخوه من أبيه وأمه وهو " بنيامين " وكان أصغر من يوسف - عليه السلام - أما بقيتهم فكانوا إخوة له من أبيه فقط . ولم يذكروه باسمه ، للاشعار بأن محبة يعقوب له ، من أسبابها كونه شقيقا ليوسف ، ولذا كان حسدهم ليوسف أشد . وجملة " نحن عصبة " حالية . والعصبة كلمة تطلق على ما بين العشرة إلى الأربعين من الرجال ، وهى مأخوذة من العصب بمعنى الشد ، لأن كلا من أفرادها يشد الآخر ويقويه ويعضده ، أو لأن الأمور تعصب بهم . أى تشتد وتقوى . أى قال إخوة يوسف وهم يتشاورون فى المكر به ليوسف وأخوه " بنيامين " أحب إلى قلب أبينا منا ، مع أننا نحن جماعة من الرجال الأقوياء الذين عندهم القدرة على خدمته ومنفعته والدفاع عنه دون يوسف وأخيه . وقولهم - كما حكى القرآن عنهم - { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } تذييل قصدوا به درء الخطأ عن أنفسهم فيما سيفعلونه بيوسف وإلقائه على أبيه الذى فرق بينهم - فى زعمهم - فى المعاملة . والمراد بالضلال هنا عدم وضع الأمور المتعلقة بالأبناء فى موضعها الصحيح ، وليس المراد به الضلال فى العقيدة والدين . أى إن أبانا لفى خطأ ظاهر ، حيث فضل فى المحبة صبيين صغيرين على مجموعة من الرجال الأشداء النافعين له القادرين على خدمته . قال القرطبى لم يريدوا بقولهم { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } الضلال فى الدين إذ لو أرادواه لكانوا كفارا ، بل أرادوا إن أبانا لفى ذهاب عن وجه التدبير فى إيثاره اثنين على عشرة ، مع استوائهم فى الانتساب إليه " . وهذا الحكم منهم على أبيهم ليس فى محله ، لأن يعقوب - عليه السلام - كان عنده من أسباب التفضيل ليوسف عليهم ما ليس عندهم . قال الآلوسى ما ملخصه يروى أن يعقوب - عليه السلام - كان يوسف أحب إليه لما يرى فيه من المناقب الحميدة ، فلما رأى الرؤيا تضاعفت له المحبة . وقال بعضهم إن زيادة حبه ليوسف وأخيه ، صغرهما ، وموت أمهما ، وقد قيل لإِحدى الأمهات أى بنيك أحب إليك ؟ قالت الصغير حتى يكبر ، والغائب حتى يقدم ، والمريض حتى يشفى . ولا لوم على الوالد فى تفضيله بعض ولده على بعض فى المحبة لمثل ذلك وقد صرح غير واحد أن المحبة ليست مما يدخل تحت وسع البشر … " . ثم أخبر - سبحانه - عما اقترحوه للقضاء على يوسف فقال - تعالى - { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } . ولفظ " اطرحوه " مأخوذ من الطرح ، ومعناه رمى الشئ وإلقاؤه بعيداً ، ولفظ " أرضاً " منصوب على نزع الخافض ، والتنوين فيه للإِبهام . أى أرضا مجهولة . والمعنى لقد بالغ أبونا فى تفضيل يوسف وأخيه علينا ، مع أننا أولى بذلك منهما وما دام هو مصراً على ذلك ، فالحل أن تقتلوا يوسف ، أو أن تلقوا به فى أرض بعيدة مجهولة حتى يموت فيها غريبا . قال الآلوسى " وحاصل المعنى اقتلوه أو غربوه ، فإن التغريب كالقتل فى حصول المقصود ، ولعمرى لقد ذكروا أمرين مرين ، فإن الغربة كربة أية كربة ، ولله - تعالى - در القائل @ حسنوا القول وقالوا غربة إنما الغربة للأحرار ذبح @@ وجملة " يخل لكم وجه أبيكم " جواب الأمر . والخلو معناه الفراغ . يقال خلا المكان يخلو خلوا وخلاء ، إذا لم يكن به أحد . والمعنى اقتلوا يوسف أو اقذفوا به فى أرض بعيدة مجهولة حتى يموت ، فإنكم إن فعلتم ذلك ، خلصت لكم محبة أبيكم دون أن يشارككم فيها أحد ، فيقبل عليكم بكليته ، ويكن كل توجهه إليكم وحدكم ، بعد أن كان كل توجهه إلى يوسف . قال صاحب الكشاف " يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ " أى يقبل عليكم إقبالة واحدة ، لا يلتفت عنكم إلى غيركم والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها ، وينازعهم إياها ، فكان ذكر الوجه لتصوير معنى إقباله عليهم ، لأن الرجل إذا أقبل على الشئ أقبل عليه بوجهه . … " وقوله { وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } معطوف على جواب الأمر . أى وتكونوا من بعد الفراغ من أمر يوسف بسبب قتله أو طرحه فى أرض بعيدة ، قوما صالحين فى دينكم ، بأن تتوبوا إلى الله بعد ذلك فيقبل الله توبتكم ، وصالحين فى دنياكم بعد أن خلت من المنغصات التى كان يثيرها وجود يوسف بينكم . وهكذا النفوس عندما تسيطر علها الأحقاد ، وتقوى فيها رذيلة الحسد ، تفقد تقديرها الصحيح للأمور ، وتحاول التخلص ممن يزاحمها بالقضاء عليه ، وتصور الصغائر فى صورة الكبائر ، والكبائر فى صورة الصغائر . فإخوة يوسف هنا ، يرون أن محبة أبيهم لأخيهم جرم عظيم ، يستحق إزهاق روح الأخ . وفى الوقت نفسه يرون أن هذا الإِزهاق للروح البريئة شئ هين ، فى الإِمكان أن يعودوا بعده قوما صالحين أمام خالقهم ، وأمام أبيهم ، وأمام أنفسهم . وقوله - سبحانه - { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } بيان للرأى الذى اقترحه أحدهم ، واستقر عليه أمرهم . قال القرطبى ما ملخصه قوله { وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ } قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة " فى غيابة الجب " بالإِفراد - وقرأ أهل المدينة " فى غيابات الجب " - بالجمع - . وكل شئ غيب عنك شيئا فهو غيابة ، ومنه قيل للقبر غيابة - قال الشاعر @ فإن أنا يوما غيبتنى غيابتى فسيروا بسيرى فى العشيرة والاهل @@ والجب الركية - أى الحفرة - التى لم تطو - أى لم تبن بالحجارة - فإذا طويت فهى بئر . وسميت جبا لأنها قطعت فى الأرض قطعا . وجمع الجب جببه وجباب وأجباب . وجمع بين الغيابة والجبن ، لأنه أراد ألقوه فى موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين … " . والسيارة جمع سيار ، والمراد بهم جماعة المسافرين الذين يبالغون فى السير ليصلوا إلى مقصودهم . والمعنى قال قائل من إخوة يوسف أفزعه ما هم مقدمون عليه بشأن أخيهم الصغير لا تقتلوا يوسف ، لأن قتله جرم عظيم ، وبدلا من ذلك ، ألقوه فى قعر الجب حيث يغيب خبره ، إلى أن يلتقطه من الجب بعض المسافرين ، فيذهب به إلى ناحية بعيدة عنكم ، وبذلك تستريحون منه ويخل لكم وجه أبيكم . ولم يذكر القرآن اسم هذا القائل أو وصفه ، لأنه لا يتعلق بذكر ذلك غرض ، وقد رجح بعض المفسرين أن المراد بهذا القائل " يهوذا " والفائدة فى وصفه بأنه منهم ، الإِخبار بأنهم لم يجمعوا على قتله أو طرحه فى أرض بعيدة حتى يدركه الموت . وأتى باسم يوسف دون ضميره ، لاستدرار عطفهم عليه ، وشفقتهم به ، واستعظام أمر قتله . وجواب الشرط فى قوله " إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ " محذوف لدلالة " وألقوه " عليه . والمعنى إن كنتم فاعلين ما هو خير وصواب ، فألقوه فى غيابة الجب ، ولا تقتلوه ولا تطرحوه أرضا . وفى هذه الجملة من هذا القائل ، محاولة منه لتثبيطهم عما اقترحوه من القتل أو التغريب بأسلوب بليغ ، حيث فوض الأمر إليهم ، تعظيما لهم ، وحذرا من سوء ظنهم به ، فكان أمثلهم رأيا ، وأقربهم إلى التقوى . قالوا وفى هذا الرأى عبرة فى الاقتصاد عند الانتقام ، والاكتفاء بما حصل به الغرض دون إفراط ، لأن غرضهم إنما هو إبعاد يوسف عن أبيهم . وهذا الإِبعاد يتم عن طريق إلقائه فى غيابة الجب . ثم حكى - سبحانه - محاولاتهم مع أبيهم ، ليأذن لهم بخروج يوسف معهم فقال { قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ . أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . أى قال إخوة يوسف لأبيهم - محاولين استرضاءه لاستصحاب يوسف معهم - يا أبانا { مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ } أى أى شئ جعلك لا تأمنا على أخينا يوسف فى خروجه معنا ، والحال أننا له لناصحون ، فهو أخونا ونحن لا نريد له إلا الخير الخالص ، والود الصادق . وفى ندائهم له بلفظ " يا أبانا " استمالة لقلبه ، وتحريك لعطفه ، حتى يعدل عن تصميمه على عدم خروج يوسف معهم . والاستفهام فى قولهم { مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا … } للتعجيب من عدم ائتمانهم عليه مع أنهم إخوته ، وهو يوحى بأنهم بذلوا محاولات قبل ذلك فى اصطحابه معم ولكنها جميعا باءت بالفشل . ثم أضافوا إلى ذلك قولهم { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ … } . والرتع والرتوع هو الاتساع فى الملاذ والتنعم فى العيش ، يقال رتع الإِنسان فى النعمة إذا أكل ما يطيب له ورتعت الدابة إذا أكلت حتى شبعت ، وفعله كمنع والمراد باللعب هنا الاستجمام ورفع السآمة ، كالتسابق عن طريق العدو ، وما يشبه ذلك من ألوان الرياضة المباحة . أى أرسله معنا غدا ليتسع فى أكل الفواكه ونحوها ، وليدفع السآمة عن نفسه عن طريق القفز والجرى والتسابق معنا . { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } كل الحفظ من أن يصيبه مكروه ، أو يمسه سوء . وقد أكدو هذه الجملة والتى قبلها وهى قوله { وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } بألوان من المؤكدات ، لكى يستطيعوا الحصول على مقصودهم فى اصطحاب يوسف معهم . وهو أسلوب يبدو فيه التحايل الشديد على أبيهم ، لإِقناعة بما يريدون تنفيذه وتحقيقه من مآرب سيئة . ثم أخبر - سبحانه - عما رد به عليهم أبوهم فقال { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } . والحزن الغم الحاصل لوقوع مكروه أو فقد محبوب . والخوف فزع النفس من مكروه يتوقع حصوله . والذئب حيوان معروف بعدوانه على الضعاف من الإِنسان ومن الحيوان ، وأل فيه للجنس ، والمراد به أى فرد من أفراد الذئاب . أى قال يعقوب لأبنائه ردا على إلحاحهم فى طلب يوسف للذهاب معهم يا أبنائى إننى ليحزننى حزناً شديداً فراق يوسف لى ، وفضلا عن ذلك فإننى أخشى إذا أخذتموه معكم فى رحلتكم أن يأكله الذئب ، وأنتم عنه غافلون ، بسبب اشتغالكم بشئون أنفسكم ، وقلة اهتمامكم برعايته وحفظه . قالوا وخص الذئب بالذكر من بين سائر الحيوانات ، ليشعرهم بأن خوفه عليه مما هو أعظم من الذئب توحشا وافتراسا أشد وأولى . أو خصه بالذكر لأن الأرض التى عرفوا بالنزول فيها كانت كثيرة الذئاب . وقوله - سبحانه - { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } رد مؤكد من إخوة يوسف على تخوف أبيهم وتردده فى إرساله معهم . إذ اللام فى قوله " لئن " موطئة للقسم ، وجواب القسم قوله { إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } . أى قال إخوة يوسف لأبيهم محاولين إدخال الطمأنينة على قلبه ، وإزالة الحزن والخوف عن نفسه يا أبانا والله لئن أكل الذئب يوسف وهو معنا ، ونحن عصابة من الرجال الأقوياء الحريصين على سلامته ، إنا إذا فى هذه الحالة لخاسرون خسارة عظيمة ، نستحق بسببها عدم الصلاح لأى شئ نافع . وأخيراً استسلم الأب ، لإِلحاح أبنائه الكبار ، ليتحقق قدر الله الذى قدره على يوسف . ولتسير قصة حياته فى الطريق الذى شاء الله تعالى - له أن تسير فيه . وقد حكى القرآن ذلك بأسلوبه البليغ فقال { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } . أى فلما أقنعوا أباهم بإرسال يوسف معهم ، وذهبوا به فى الغد إلى حيث يريدون ، وأجمعوا أمرهم على أن يلقوا به فى قعر الجب ، فعلوا به ما فعلوا من الأذى ، ونفذوا ما يريدون تنفيذه بدون رحمة أو شفقة . فالفاء فى قوله فلما للتفريع على كلام مقدر ، وجواب " لما " محذوف ، دل عليه السياق . وفعل " أجمع " يتعدى إلى المفعول بنفسه ، ومعناه العزم والتصميم على الشئ ، تقول أجمعت المسير أى عزمت عزما قويا عليه . وقوله " أن يجعلوه " مفعول أجمعوا . قال الآلوسى " والروايات فى كيفية إلقائه فى الجب ، وما قاله لإِخوته عند إلقائه وما قالوه له كثيرة ، وقد تضمنت ما يلين له الصخر ، لكن ليس فها ما له سند يعول عليه " . والضمير فى قوله ، وأوحينا إليه يعود على يوسف - عليه السلام - . أى وأوحينا إليه عند إلقائه فى الجب عن طريق الإِلهام القلبى ، أو عن طريق جبريل - عليه السلام - أو عن طريق الرؤيا الصالحة . { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا } أى لتخبرنهم فى الوقت الذى يشاؤه الله - تعالى - فى مستقبل الأيام ، بما فعلوه معك فى صغرك من إلقائك فى الجب ، ومن إنجاء الله - لك ، فالمراد بأمرهم هذا إيذاؤهم له وإلقاؤهم إياه فى قعر الجب ، ولم يصرح - سبحانه - به ، لشدة شناعته . وجملة " وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ " حالية ، أى والحال أنهم لا يحسون ولا يشعرون فى ذلك الوقت الذى تخبرهم فيه بأمرهم هذا ، بأنك أنت يوسف . لاعتقادهم أنك قد هلكت ولطول المدة التى حصل فيها الفراق بينك وبينهم ، ولتباين حالك وحالهم فى ذلك الوقت ، فأنت ستكون الأمين على خزائن الأرض ، وهم سيقدمون عليك فقراء يطلبون عونك ورفدك . وقد تحقق كل ذلك - كما سيأتى - عند تفسير قوله تعالى - { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ … } وكان هذ الإِيحاء - على الراجح - قبل أن يبلغ سن الحلم ، وقبل أن يكون نبيا . وكان المقصود منه ، إدخال الطمأنينة على قلبه ، وتبشيره بما سيصير إليه أمره من عز وغنى وسلطان . قالوا وكان هذا الجب الذى ألقى فيه يوسف على بعد ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب - عليه السلام - بفلسطين . ثم حكى - سبحانه - أقوالهم لأبيهم بعد أن فعلوا فعلتهم وعادوا إليه ليلا يبكون فقال { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً … } .